إيست نيوز ـ ترجمة باسم اسماعيل
هناك إسرائيل التي نراها في الأخبار جبارة متنمرة تهاجم جيرانها بعنف ولم تكتفِ بتحويل جزء كبير من غزة إلى ركام بل قامت الآن بتحريك دباباتها إلى لبنان. إسرائيل هذه هي إسرائيل التي تتهمها محاكم العالم بارتكاب أبشع الجرائم حيث أخرجت إسرائيل هذه على مدار عام الملايين في مظاهرات حاشدة في المدن الكبرى في أوروبا والولايات المتحدة وخارجها وهو حجم من الاحتجاج لم يسبق له مثيل منذ عقدين من الزمن مما أدى إلى تسييس جيل كامل قرر أن معارضة إسرائيل هي القضية الكبرى في عصرنا.
ثم هناك إسرائيل التي تلمحها في شهادة الرجال والنساء والأطفال الصغار جدًا الذين نجوا من ٧ أكتوبر الذي تحل ذكراه يوم الاثنين. يروون كيف تجمعوا وحدهم بدون دفاع في الحمامات وغرف نوم الأطفال لساعات طويلة مرعبة بينما كان رجال حماس يحاصرون منازلهم ويطلقون الرصاص من خلال الأبواب ويقذفون القنابل اليدوية من خلال النوافذ. إسرائيل هذه هي إسرائيل التي لا تزال تحن إلى الرهائن الذين تم احتجازهم في ذلك اليوم ولا يزال العشرات منهم في الأسر في غزة. إسرائيل هذه هي إسرائيل التي لا تزال صواريخ حزب الله تقصف شمالها لمدة 12 شهر على التوالي مما أجبر حوالي 65,000 مدني إسرائيلي على النزوح من منازلهم.
هاتان هما نسختان من إسرائيل لا تجمعهما أي قواسم مشتركة: إسرائيل التي يراها معظم العالم وإسرائيل التي ترى نفسها.
لنأخذ الذكرى السنوية القادمة على سبيل المثال. بالنسبة للكثيرين خارج إسرائيل سيصادف السابع من أكتوبر ذكرى مرور عام على بدء الحرب الوحشية التي كان ضحاياها الرئيسيون هم الأبرياء في غزة والذين قُتل منهم عشرات الآلاف. أما داخل إسرائيل فإن السابع من أكتوبر هو ذكرى اليوم الأكثر كآبة في التاريخ اليهودي منذ الهولوكوست عندما قُتل ما يقرب من 1200 شخص معظمهم من المدنيين.
أو خذ الأسبوعين الماضيين على سبيل المثال. بالنسبة لكثيرين خارج إسرائيل فإن سفك الدماء في الأسبوعين الأخيرين هو تأكيد على أن إسرائيل هي الدولة الأكثر تهديداً للشرق الأوسط وهي قوة عدوانية وسعت حربها لتشمل لبنان مع ضربات على اليمن أيضاً. داخل إسرائيل يُفهم من الأسبوعين الأخيرين أن إسرائيل هي الدولة التي ردت أخيراً على وكلاء النظام الذي يشكل الخطر الحقيقي على الشرق الأوسط أي إيران.
على مدى سنوات طوّقت إيران إسرائيل بـ"حلقة من النار" تضمّ "الحاءات الثلاثة": حماس والحوثيون والأكثر تسليحاً من بين الثلاثة حزب الله الذي يمتلك ترسانة هائلة وقوة دولة داخل دولة. هذه الجهات الفاعلة وإيران لا تعمل ببساطة على إنهاء ظلم الاحتلال الإسرائيلي بعد عام 1967 بل إن هدفها المعلن هو إنهاء إسرائيل نفسها.
كل مثال يكشف الهوة التي تفصل إسرائيل عن شريحة من الرأي العام العالمي فبالنسبة لمعظم الغرباء إسرائيل قوة إقليمية عظمى مدعومة من قوة عالمية عظمى وهي قوية وآمنة. ولكن الأمر ليس كذلك من الداخل فالإسرائيليون يرون مجتمعهم صغيراً محاصراً وضعيفاً.