كتب راجانا حمية في "الأخبار"
قبل نحو ثلاثة أسابيع، أُدخلت الشابة نادين خشاب إلى العناية المركّزة في مستشفى جبل عامل قبل أن تفارق الحياة بعد ساعات. يومها، دارت الشبهات حول تسمّمها بمادة كيميائية استخدمتها إحدى شركات رش المبيدات الحشرية في منزلها، إلى أن صدر أمس تقرير رسمي عن وزارة الصحة حسم بالدليل العلمي والطبي أن خشّاب ماتت مقتولة بمادة «فوسفيد الألومينيوم» التي استخدمتها «المؤسسة اللبنانية الكندية» لرش المبيدات في المبنى الذي تقطن فيه.فقد أظهرت نتائج فحص السمّية الذي أجري على عيّنة دم أُخذت من المتوفاة وجود آثار من مادة الـ»propanol methylethoxy» وهي مادة تستخدم لتذويب المبيدات الحشرية. ورغم نفي صاحب الشركة استخدام «الفوسفيد ألومينيوم» في منزل الضحية وإنما في منزل آخر يقع في الطابق العلوي، أقرّ باستخدام مادة الـ deltamethrin بنسبة 5% في منزل الضحية. وهو ما يجعل الذنب أكبر، إذ إن استخدام الـ deltamethrin بنسبة 5% يخالف القوانين والقرارات الوزارية والإرشادات العلمية لأنه ضعف النسبة المسموح بها وهي 2.5%، فيما استخدام الـ«فوسفيد ألومينيوم» مخالف للقانون لأن هذه المادة نفّاذة ويمكن أن تتسرّب، بحسب اختصاصيي علم السموم، وهو ما حصل في حادثة وفاة خشاب، علماً أن الـ«فوسفيد ألومينيوم» يستخدم في الأراضي الزراعية، والإرشادات المدوّنة على العبوة وقرارات الترخيص واضحة في هذا الشأن لناحية «عدم السماح باستخدام هذه المادة داخل المنازل أو في الأماكن السكنية المغلقة والمأهولة»، لأنها بمجرّد تفاعلها مع الرطوبة في الهواء، تتحول إلى غاز الـ«فوسفين» السام الذي بمجرد استنشاقه يؤدي إلى الاختناق والموت في أغلب الحالات. ولذلك، يرجّح التقرير أن هذا الغاز تسرّب من المنزل في الطابق العلوي إلى منزل الضحية في الطابق الأرضي، ما أدى إلى اختناقها ووفاتها.
حادثة وفاة خشّاب تأتي في ختام مسيرة حافلة بالمخالفات ارتكبتها الشركة اللبنانية الكندية لرش المبيدات. ففي نيسان الماضي، وجّهت لها وزارة الصحة إنذاراً خطياً لعدم التزامها بشروط الترخيص وبيع وتعبئة وتوضيب منتجات خاصة بالشركة من دون ترخيص مسبق. وبعد وفاة خشاب، أوقفت وزارة الصحة المؤسسة عن العمل وسحبت منها نهائياً التراخيص المتعلقة بإجازة رش وبيع وتحضير وتعبئة وتوضيب مبيدات حشرات وقواضم منزلية، وأحالت ملفها أمس إلى النيابة العامة التمييزية «للتوسع في التحقيق». وهو ما يفترض أن يستتبع بحملة أخرى لشركات مماثلة «تنغل» بلا تراخيص في معظم المناطق.
وأصدرت الوزارة قراراً بمنع استعمال مادتَي فوسفيد الألمينيوم وفوسفيد الزنك وكل المواد التي تدخل بهدف الاستعمال الزراعي من قبل الشركات التي تزاول مهنة رشّ مبيدات الحشرات والقواضم المنزلية في المنازل والأماكن المأهولة بالسكان. وأضيفت المادتان إلى مواد ممنوع استيرادها.
تأتي وفاة نادين خشاب بفوسفيد الألومينيوم كثاني حالة مثبتة. ففي شباط الماضي، نشرت الجامعة الأميركية في بيروت دراسة حول وفاة شخص يبلغ من العمر 37 عاماً انتحر بتناوله 5 أقراص من المبيدات الحشربة التي تحتوي على 56% من هذه المادة. وفي غضون 49 ساعة قبل الوفاة، حدث الكثير من المضاعفات التي أدّت إلى فشل في أكثر من عضو في الجسم، وتدرّجت حالته من انخفاض معدل ضربات القلب وضغط الدم (90/50 مم زئبق) وتسارع معدل التنفس (28 نفساً في الدقيقة) والفشل في التنفس وضعف عضلة القلب والتأثير على كهرباء القلب ونقص الأوكسيجين في الدماغ. وأظهرت الدراسة أن معدل الوفيات بسبب التسمم بهذه المادة يصل إلى 60%.