كتب عماد مرمل في جريدة "الجمهورية":
تبخرت الآمال التي كانت معقودة من قبل البعض على الجولة السابقة من مفاوضات إطلاق النار في غزة بعدما تكفلت مناورات بنيامين نتنياهو بإعادة الأمور إلى المربع الأول، الامر الذي أطلق العنان لتقديرات واستنتاجات متفاوتة في شأن الاحتمالات المستقبلية.
على رغم من "التفاؤل الكاذب" الذي جرى تسويقه عشية جولة وزير الخارجية الاميركية أنتوني بلينكن الاخيرة في المنطقة لإحراج حركة "حماس" ودفعها الى القبول بالعرض الأميركي المعدل و"المعتّل" لوقف إطلاق النار تحت طائلة تحميلها مسؤولية استمرار معاناة الفلسطينيين في غزة، الا ان الحركة قاومت هذا الضغط ورفضت القبول بالمعروض بعدما تبين انه "مسموم."
وتؤكد مصادر قيادية في حماس لـ"الجمهورية" ان الحركة أبلغت الى حلفائها في "محور المقاومة" ان المفاوضات الأخيرة فشلت "ويمكنكم ان تأخذوا راحتكم في الرد."
وتلفت المصادر إلى أن الجولة الماضية من المفاوضات التي لم تشارك فيها "حماس" كانت كناية عن مهزلة وعملية شراء للوقت في محاولة اميركية لاحتواء رد إيران وحزب الله على الكيان الاسرائيلي.
وتوضح المصادر ان من المفارقات المستهجنة ان التفاوض الاخير كان يتم بين الأميركي والاسرائيلي "وهما كانا يبيعان ويشتريان على حسابنا وعلى حساب إعلان بايدن الأساسي الذي كنا قد وافقنا عليه لكن الأميركيين أنفسهم انقلبوا عليه وغطوا نتنياهو في تحريف محتواه وتخريبه."
وتكشف المصادر ان من نماذج "السمسرة" التفاوضية التي طبعت زيارة بلينكن لتل أبيب، ما دار بينه وبين نتنياهو في شأن بند تبادل الأسرى، "إذ تفيد معلوماتنا ان نتنياهو تمسك بمطلب وضع "فيتو" على 100 اسم ضمن لائحة الأسرى الفلسطينيين الذين سيُفرج عنهم، فرد عليه بلينكن مقترحا ان يكون العدد 65 اسما، فأجاب نتنياهو: "لتسهيل مهمتك نقبل بـ 75..". وتضيف المصادر: "ما هذه الخفة في التعاطي وبأي حق تجري المساومة على حقوقنا بين العدو وحليفه؟".
وتبدي المصادر القيادية في "حماس" اقتناعها بأن نتنياهو لا يريد إنهاء العدوان على غزة في الوقت الحاضر بل يماطل ويناور في المفاوضات لإطالة أمد الحرب حتى موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في الخامس من تشرين الثاني المقبل، حيث يأمل في أن يفوز حليفه الاستراتيجي دونالد ترامب، وبالتالي "هو يتصرف على اساس تفادي تقديم هدية وقف إطلاق النار الي إدارة بايدن حتى لا تستفيد منها نائبة الرئيس الأميركي ومرشحة الحزب الديموقراطي كامالا هاريس في معركتها الانتخابية."
وتعتبر المصادر ان بايدن يتفادى الضغط بقوة على نتنياهو لحسابات انتخابية تتصل بمحاولة كسب اصوات الناخبين اليهود لمصلحة هاريس، لافتة إلى ان الإدارة الأميركية هي ضعيفة في هذه المرحلة وتبدو كالبطة العرجاء، ونتنياهو يسعى الى استثمار هذا الواقع لفرض اجندته وخدمة مصالحه الشخصية."
وتوضح المصادر انه سبق لحركة "حماس" ان سلمت الوسطاء في الدوحة في 2 تموز الماضي ردا إيجابيا مكتوبا على مقترح وقف إطلاق النار، "ويومها ابدى الوفد الاسرائيلي المفاوض ارتياحه الى فحوى الرد وطلب منحه اسبوعا للتشاور مع قيادته والعودة بجواب نهائي الا انه غاب شهرا كاملا تخلله تصعيد إسرائيلي في كل الاتجاهات."
وتعتبر المصادر ان التصعيد الميداني والتعنت السياسي يندرجان في سياق سعي نتنياهو الى توريط الجميع بحرب واسعة في الإقليم، "وهو اتخذ قرار اغتيال الشهيد القائد اسماعيل هنية في طهران تحديدا، من أجل الدفع نحو تدحرج إقليمي يفضي الى حصول مواجهة مباشرة بين أميركا وايران، كونه يعرف ان جيشه المستنزف في قطاع غزة غير قادر لوحده على مواجهة طهران وحزب الله."
وتؤكد المصادر أنه وبعد ارتقاء اكثر من أربعين ألف شهيد في غزة حتى الآن فإن "حماس" لا يمكن أن توافق على اي اتفاق لا يحقق الانسحاب الشامل من القطاع والوقف الدائم لإطلاق النار.
وتشدد المصادر على أن نَفَس "حماس" طويل وهي تستطيع الصمود الى أجل غير مسمى في مواجهة جيش الاحتلال الإسرائيلي، كاشفة ان آلاف من المتطوعين الجدد انتسبوا بعد بدء العدوان الى "كتائب القسام" بعدما تم اخضاعهم الى تدريبات سريعة، "بحيث تضاعف عدد الكتائب خلافا لما يروجه العدو من انه قضى على معظمها."
وتوضح المصادر ان لدى غزة نوعا من الاكتفاء الذاتي على مستوى تأمين الذخائر المطلوبة، "إذ تتولى مصانع محلية ومخفية إنتاج القذائف والصواريخ التي تحتاج اليها المقاومة في معركتها ولا توجد مشكلة على هذا الصعيد." وتضيف المصادر: "حماس وبقية فصائل المقاومة صامدة ولن تعطي العدو في السياسة ما عجز عن انتزاعه في الميدان، بل اكثر من ذلك هناك تطور في وسائل المواجهة وما العملية الاستشهادية التي تمت في تل أبيب اخيرا سوى رسالة بأننا لا نزال اقوياء، وقادرون على زرع الرعب في قلب إحدى اهم مدن كيان الاحتلال اذا لم يتوقف العدوان على غزة".