جاء في مانشيت صحيفة "الديار":
هزّت المقاومة اللبنانية البارحة مضاجع العدو الإسرائيلي عبر هجوم صاروخي مكثف قامت به وحدات من حزب الله طال مناطق الجليل الأعلى والجولان وصولا الى صفد، كما والمُستوطنات الإسرائيلية التي لم يتم إخلاؤها. وأفادت «القناة 12 الإسرائيلية» عن إنفجار طائرة مسيرة في «مرغليوت» بالجليل الأعلى مما إستدعى سيارات إسعاف سارعت إلى محيط مفترق «محانيم» لنقل الإصابات جراء الهجوم الصاروخي. هذا الهجوم دفع السلطات إلى توجيه نداء إلى المستوطنين بإخلاء الجليل الأعلى.
وكان حزب الله قد نشر فيديو مُصوّر عنونه «جبالنا خزائننا « يُظهر فيه قدراته الإستراتيجية الصاروخية موجّهًا رسالة واضحة وقوية للعدو. وبحسب خبير عسكري، ما أظهره حزب الله من فيديو عماد-4، ما هو إلا جزء بسيط مما حضّر له الحزب والمقاومة على مر عقدين من الزمن. هذا الأمر دفع العدو إلى إعادة حساباته بعد هذا التعميق الكبير في عملية الردع التي يقوم بها حزب الله ضدّ جيش كان يُعتبر «الجيش الذي لا يُقهر» ولكن قدرات المقاومة أثبتت أنه أوهن من «بيت العنكبوت».
ويُضيف الخبير العسكري أن إعادة الحسابات لدى العدو تظهر من خلال الإنقسام الكبير بين مكونات العدو نفسه حيث يرى بعض المسؤولين في الكيان الإسرائيلي أن هذا الفيديو يُشكّل «أداة إقناع» إضافية عن محدودية قدرة إسرائيل على الغوص في المُستنقع اللبناني وأن لبنان ليس غزّة كما يتصوّر البعض، أي الثنائي المُجرم سموتريتش وبن غفير المتعطشين للدماء بالإضافة إلى نتنياهو المُنتهية صلاحيته السياسية والمدنية. وعلى هذا الأساس، تزداد الضغوطات الداخلية والدولية على الكيان العبري لإتمام صفقة تشمل وقف إطلاق النار وتبادل السجناء بين حركة حماس وإسرائيل.
ويُضيف الخبير أن الصراع بين مؤسسات العدوّ كبرت لدرجة أنها خرجت إلى العلن بدليل رغبة نتنياهو إقالة وزير دفاعه. ويستند مُعارضو الحرب إلى أن التجارب السابقة خصوصًا في الصراع مع حزب الله بائت كلها بالفشل وبالتالي لا داعي لتوريط إسرائيل في مُغامرة عسكرية خاسرة كما وتوريط المنطقة ككلّ.
على هذا الصعيد، يقول سياسي مُخضّرم في تصريح لجريدة الديار، أن الديموقراطيين المُنخرطين في أشرس المعارك الانتخابية، لا يُريدون إفساد التقدّم الذي أحرزته كاميلا هاريس على منافسها دونالد ترامب خصوصًا بعد إنسحاب جو بايدن الذي كان يُشكّل ورقة خاسرة لهم إستطاعوا التخلّص منها بسرعة وهم قادرون على التخلّص من نتنياهو بسهولة إذا ما عارض رغبتهم بعدم إقحام الولايات المُتحدة الأميركية في مُغامرة في وقت تستعرّ فيه المنافسة على الرئاسة الأميركية.
وبحسب السياسي الُمخضّرم، ما قدّمه حزب الله البارحة في الفيديو الذي أطلقه دعم توجّه الديموقراطيين والإدارة الأميركية أن أي خطأ في التقدير سيورّط الولايات المُتحدة الأميركية في خيارات عسكرية هي بالغنى عنها في هذه اللحظة. وعن وجود الترسانة الأميركية الضخمة في البحر والتي من المفروض أنها موجودة للدفاع عن إسرائيل، يقول السياسي أن هذا الوجود هو وجود ردّعي ولا نية على الإطلاق لدى الأميركيين في الدخول في الحرب. وبما أنهم لا يثقون بإدارة نتنياهو للملف ونظرًا إلى الإنقسامات الإسرائيلية الداخلية، هناك مخاوف من أن تتسارع الأمور بشكل كبير قد يؤدّي إلى خسائر فادحة على إسرائيل وهو ما جعل الأميركيين يستبقون الأمور عسكريًا من خلال وجود وازن وكبير بهدف ردع محور المُقاومة، وديبلوماسيًا من خلال لجم نتنياهو واليمين المُتطرّف من خوض أي مُغامرة عسكرية.
ويُضيف السياسي أن توقيت إطلاق فيديو «عماد-4» يأتي في ظل إحتدام المُحادثات في الدوحة وهو عنصر يُمكن إستخدامه في هذه المفاوضات خصوصًا أن الفيديو يأتي ضمن عدّة خطوات قام بها حزب الله (هدهد1 وهدهد2) وخطوات سيقوم بها لاحقًا مُظهرًا أن إستهداف العدو لعناصر من حزب الله لا يُغيّر شيئًا في معادلة إستطاع الحزب منذ العام 2006 تغييرها بحكم الواقع خصوصًا من باب قدرته العسكرية الحالية على إستهداف مُنشآت إستراتيجية لدى العدو كان من الصعب سابقًا الوصول إليها بسبب القبة الحديدية والتفوق الجوي.
إلى هذا وضمن قواعد الإشتباك (التي توسعت مؤخّرًا) تعرضت أمس أطراف بلدة مارون الراس وحرج كونين والمنطقة الواقعة بين بلدتي حداثا والطيري لقصف مدفعي من العدو الإسرائيلي. وطاول القصف منطقة خلة وردة عند أطراف بلدة عيتا الشعب. وحلّق طيران العدو المسير في أجواء قرى وبلدات قضاء صور وصولاً حتى مجرى نهر الليطاني في منطقة القاسمية.
محادثات الدوحة
وإنتهت المحادثات التي إستمرّت على مدى يومين في العاصمة القطرية الدوحة بهدف الوصول إلى إتفاق على وقف إطلاق النار في غزّة والذي يُعتبر شرطًا أساسيًا لوقف التصعيد في الجنوب اللبناني، من دون التوصّل إلى إتفاق بحكم أن هناك تباعدًا لا يزال قائمًا بين الشروط الجديدة التي يفرضها نتنياهو وبين ما يقبل به محور المُقاومة وحماس بالتحديد التي ترفض رفضًا قاطعًا (كذلك مصر) إبقاء السيطرة الإسرائيلية على محور فيلاديلفيا وهو مطلب إسرائيلي مُستجدّ لم يكن موجودًا في مُقترح الرئيس الأميركي بايدن الذي تقدّم به الشهر الماضي ووافقت عليه حركة حماس. وتُشير المعلومات إلى أن هناك عدّة جلسات ستتم في الأسبوع القادم على أن يتمّ جمع ما تمّ التوصّل إليه وتقديمه لحركة حماس لمعرفة ردّها وأخذ ملاحظاتها.
وبحسب مواكبين لهذه المحادثات، هناك ضغوطات هائلة تمارسها واشنطن على نتنياهو للتوصّل إلى إتفاق وهو ما يجعل هذه المفاوضات أكثر جدّية من سابقاتها. وهذا ما يُمكن إستخلاصه من البيان الذي صدر في ختام إجتماعات الخميس والجمعة الماضيين، حيث يحوي على تفاؤل كبير يفتح باب الأمل للتوصّل إلى صيغة في منتصف الأسبوع القادم.
النقاط العالقة تتمحور حول الوجود العسكري الإسرائيلي في قطاع غزّة خصوصًا في ثلاث نقاط هي معبر رفح، محور فيلاديلفيا، ومعبر نتساريم. وهذه النقاط تُشكّل نقطة تباعد كبيرة بين حماس والإسرائيليين، إلا أنه وبحسب المصادر المواكبة من المتوقّع أن يُعطي الضغط الأميركي مفعوله ويتراجع نتنياهو عن هذه المطالب. ومن بين النقاط التي سيتم بحثها أيضًا آلية إدخال المساعدات الغذائية والصحية إلى الفلسطينيين خصوصًا أن هناك آلاف الأطفال الفلسطينيين الذي يحتاجون إلى لقاحات ومواد غذائية. أمّا فيما يخص الأسرى، فقد تراجعت إسرائيل عن موقفها الرافض لإطلاق أسرى مُحدّدين وخفّضت المعارضة من فيتو على 100 أسير إلى فيتو على 65 أسيرًا مع التنويه بإصرار حركة حماس على إطلاق الأسير مروان البرغوتي.
تأجيل الردّ الإيراني؟
إلى هذا نقلت صحيفة الـ «نيويورك تايمز» عن مسؤولين أميركيين وإيرانيين وإسرائيليين أن إيران وافقت على تأجيل ردّها على إغتيال إسماعيل هنية على أراضيها والذي كان مُقرّرًا ضد إسرائيل وذلك بهدف «منح الوسطاء الوقت الكافي للقيام بدفعة حاسمة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار لإنهاء الحرب في غزة».
خطّة الطوارئ الحكومية
حكوميًا، إلتئم مجلس الوزراء هذا الأسبوع في جلسة تمّ فيها عرض التحديثات الطارئة على خطّة الطوارئ الحكومية. هذه الأخيرة تحوي على عدّة سيناريوهات أسوأها السيناريو الشبيه بعدوان تموز 2006 وكلفته 100 مليون دولار أميركي بحسب تصريح وزير البيئة ورئيس هيئة الطوارئ ناصر ياسين الذي أكّد في حديث إذاعي أن 30% من المبلغ تمّ تأمينه. وفي قراءة لهذه الخطّة، قال أستاذ الاقتصاد في الجامعة اللبنانية البروفسور جاسم عجاقة أن الخطّة تواجه عائقين أساسيين: الأول يتمثلّ بنقص التمويل خصوصًا إذا ما قام العدو بعدوان شبيه بما تعرّضت له غزّة، والثاني هو القدرة اللوجستية المحدودة في حال قطع العدوان الطرقات وأقفل المرافئ وإعتدى على المطار. وتحدّث عجاقة عن ثلاثة قطاعات ستكون عرضة لنقص حاد في حال حدوث سيناريو عدوان على مثال ما حصل في غزّة، إذ قال إنه سيكون هناك نقص في المواد الغذائية والمواد الطبية والأدوية والمحروقات. وأضاف: لا نعلم من أين ستأتي الحكومة بالأموال؟ هل هي من مصرف لبنان أم تبرعات دولية؟ إلى هذا وضع عجاقة النقص في التمويل الدولي في خانة الضغط السياسي على لبنان للجم الردّ العسكري اللبناني على إسرائيل بعد عمليات الإغتيال التي قامت بها.