كتب فؤاد بزي في “الأخبار”:
وسط التهويل باندلاع الحرب الشاملة مع العدو، ثمة تحضيرات ترتبط بخطّة طوارئ للإنترنت في لبنان مبنية على أساس أن العدو قد يعمد إلى قطع تواصل لبنان مع الخارج عبر قصف الكابل البحري الذي يمدّ لبنان بالإنترنت ويصله بالخارج. ورغم أن تعدياً كهذا لم يحصل خلال عدوان تموز 2006، إلا أن إدارة أوجيرو تستعدّ للسيناريو الأسوأ باعتبارها مكلّفة من وزارة الاتصالات بإدارة خطوط الإنترنت الرئيسية وتشغيلها وتوزيعها. السيناريو الأسوأ، يحتّم على لبنان وجود خطوط بديلة لاستقدام الإنترنت ووصل لبنان بالخارج، لكن بأي أولويات، ووفقاً لأي رؤية؟ثمة كثير من الأسئلة المرتبطة بخطط الطوارئ في لبنان. فمسألة توزيع الموارد وتحديد الأولويات لا يبدو أن تستحوذ على حيّز أساسي في هذا الأمر. وبحسب المعلومات التي استقتها «الأخبار» من مصادر حكومية، فإن الإدارات ليس لديها تفسير واضح لمعنى «الطوارئ»، بل تحاول كل إدارة الحصول على كل ما يمكن أن تحصل عليه. خطّة الطوارئ، في مجال الإنترنت والاتصالات، تعني أنه يفترض أن يتم تأمين خطوط اتصال ضرورية محلياً وخارجياً. فهل هذا الأمر يشمل كل المستشفيات مثلاً؟ وهل هذا الأمر يشمل قيادة الجيش والقوى الأمنية ومركز رئاسة الحكومة ومكاتب الوزراء؟ وهل يشمل مصرف لبنان؟ هل يشمل سائر المصارف والمؤسسات المالية؟… في خطّة الطوارئ قد لا يكون متاحاً تأمينها كلّها، لذا يجب تحديد الأولويات والشمولية، وهو بحسب المصادر أمر لا يحصل الآن، بل تتراكم الطلبات من الإدارات الرسمية «على الطريقة التقليدية»، أي إنهم يحاولون الفوز بكل ما يمكن الحصول عليه!
لكن المسألة لا تتعلق بالإنترنت، فالسيناريو المرتبط بالعدوان الشامل على لبنان، لا يقتصر على ضرب كابل الإنترنت البحري، بل يجب تأمين التوزيع الداخلي أيضاً عبر إبقاء السنترالات شغّالة، وهذا يتطلب تزويدها بالمازوت، وتمكين فرق أوجيرو من عمليات الصيانة وإيصال المعدات والأجهزة إلى مواقعها… ويأتي ذلك رغم أن خدمة الإنترنت تحوّلت في السنوات الماضية إلى أداة حيوية في الحياة اليومية واحتلت موقعاً إستراتيجياً في خطط الإنماء الحكومية. «انقطاع الإنترنت عن البلاد لا يعني التوقف عن الوصول إلى مواقع التواصل الاجتماعي، بل انقطاع خطوط التواصل لعدد كبير من اللبنانيين مع أعمالهم في الخارج»، يقول مصطفى العامل من بعد في شركة خارج لبنان. «نحن اخترنا البقاء في لبنان»، يضيف يوسف العامل في شركة دراسات طبية مقرها في بلجيكا، و«الكهرباء مؤمنة عبر الطاقة الشمسية، إنما الإنترنت الذي يوصلنا بالشركة الأم ضروري لاستمرار العمل من لبنان». إلا أنّ الاتصال بشبكة الإنترنت أساسي أيضاً لعمل قطاعات الدولة كافة من أمن وعسكر، وصولاً إلى الإدارات العامة، والمستشفيات، ووسائل الإعلام.
يرتبط لبنان بشبكة الإنترنت عبر وسيلتين، الأقمار الصناعية، والكابلات البحرية التي يبلغ عددها 3، وهي: «قدموس، قدموس 2، وIMEWE». الحمل الأكبر يقع على الخط الأخير، و«قدموس 2» الذي يربط لبنان بقبرص من المفترض وضعه في الخدمة خلال عام 2024، إنما لا معلومات إضافية عن وضعه الآن. أما الإنترنت عبر الأقمار الصناعية، فيصل إلى لبنان عبر محطتي العربانية وجورة البلوط، و«هاتان المحطتان معطلتان»، بحسب مدير عام شركة أوجيرو عماد كريديه، و«لو كانت المحطتان شغالتين، لا يمكن أن تحلا مكان الإنترنت المستقدم عبر الكابلات البحرية لتشغيل كل لبنان، نظراً إلى الكلفة العالية وضعف سرعة الإنترنت المستقدم عبر هذه التقنية». بحسب مصادر «الأخبار» في إحدى شركات استقدام الإنترنت عبر الأقمار الصناعية «يكلف اشتراك الإنترنت الشهري الخاص، أي المقدّم لمشترك واحد، عبر الأقمار الصناعية بسرعة 6 ميغابت 5800 دولار، وفي حال رفعت السرعة لـ10 ميغابت، تصل كلفة المشترك الواحد إلى 9600 دولار، وهذا السعر مدعوم لأنّ العرض خاص بالصليب الأحمر، في حين تبلغ كلفة أعلى اشتراك إنترنت عبر أوجيرو حوالى 60 دولاراً».
بالتالي، ما هي خطة الطوارئ التي حضرتها الدولة لمواجهة انقطاع الإنترنت، وهل هناك توجه نحو الاعتماد على «ستارلينك»؟ «هي مسألة أمن قومي»، يجيب كريديه على سؤال «الأخبار»، و«الخطة هي الرجل التي سنقف عليها، وحفاظاً عليها لن نعلنها». ويشير إلى أن الخطّة تتضمن إبقاء الاتصال بين مرافق الدولة الأساسية من الوزارات، والجيش، والمستشفيات مع الخارج، فضلاً عن وسائل الإعلام»، وأشار إلى أن «الخطة تقوم على الربط بالإنترنت بحدّه الأدنى، وهي لا تعني إعادة ربط الشعب اللبناني كلّه بالشبكة».
وحول إمكانية استخدام شركة «ستارلينك»، لفت كريديه إلى «أنّ التواصل مع هذه الشركة يتم عبر وزارة الاتصالات». وهنا تقول مصادر على تواصل مع «ستارلينك» إنّ «الشركة لم تسلّم الأجهزة الأمنية ما طلبته، لجهة إعطائها حق الرقابة على خطوط الإنترنت، ولم تبدِ أي مرونة في التعاطي مع طلبات مخابرات الجيش، وفرع المعلومات، والأمن العام»، لذا، «أطفأت ستارلينك آخر 5 أجهزة لها كانت تعمل في لبنان، 2 لدى ميقاتي وجهاز عند كلّ من الأجهزة الأمنية الثلاثة، وآخر تواصل مع الشركة لم يكن إيجابياً، خاصة أنّ هذه الأجهزة فعّلت بشكل استثنائي، وكانت تتوقف كل 90 يوماً، ويعاد تشغيلها برسالة إلكترونية خاصة للشركة، ولكن لم تصل أي طلبات جديدة لإعادة التفعيل».
وعند سؤال «ستارلينك» من قبل وزارة الاتصالات عن «إمكانية تدخلها إنسانياً»، بحسب توصيف المصادر، لناحية تأمين الإنترنت للبنان في حالة الانقطاع الكامل للشبكة، فـ«كانت الإجابة كلا». وتصف المصادر العلاقة بين «ستارلينك» ووزارة الاتصالات بـ«الدوامة التي ستؤدي إلى عدم دخول الشركة نهائياً»، تريد «ستارلينك» دخول السوق اللبنانية من دون قيود، تقول المصادر، وترفض في المقابل طلبات وزارة الاتصالات بالترخيص لعدد محدّد من الأجهزة، إذ ترى في هذه التصرفات «توزيعاً للإنترنت على عدد من المحظيين».