كتب علاء حلبي في جريدة "الاخبار":
لم تكد تتمكّن تركيا والفصائل السورية المعارضة التابعة لها من إنهاء حالة الفوضى التي عمّت الشمال السوري الخاضع لسيطرتها على خلفية بدء أنقرة خطوات نحو الانفتاح على دمشق، حتى عادت تلك المناطق إلى الاشتعال بشكل تدريجي، سواء في أقصى الشمال السوري الذي شهد اعتصاماً أمام سجن «الراعي» للمطالبة بالكشف عن حالة عدد من قياديي الفصائل المعتقلين، أو في مدينة الباب في ريف حلب الشمالي الشرقي، والتي شهدت أعمال عنف تسببت بمقتل وإصابة عدد من الأشخاص.
وخلافاً لموجة الفوضى السابقة التي كانت موجهة بشكل أساسي ضد تركيا، جاءت الموجة الجديدة موجهة نحو الفصائل ذاتها، ولأسباب مختلفة، بعضها مرتبط بـ«سطوة» هذه الأخيرة والعمليات الأمنية المكثفة التي تجريها تنفيذاً لأوامر تركية، وبعضها الآخر متصل بالصراع على النفوذ، حسبما أفادت مصادر ميدانية «الأخبار».
المصادر التي ذكرت أن ثمة محاولات جديدة لمنع انتشار الفوضى بشكل كبير، أشارت إلى وجود حالة احتقان شعبي ضد عدد من الفصائل، أبرزها «أحرار الشرقية»، على خلفية هجوم شنّه مسلّحو هذا الفصيل - المصنف على لوائح العقوبات الأميركية والذي يحظى بدعم تركي كبير ، على مدينة الباب التي تعيش أساساً حالة من الصراع الداخلي بعد مساعٍ تركية - روسية لإعادة فتح معبر «أبو الزندين» الفاصل بين مناطق سيطرة الفصائل ومناطق سيطرة الحكومة السورية.
وقوبل هذا الهجوم بهجمات وأعمال تخريب متبادلة بين الجماعات المسلحة، الأمر الذي ربطته المصادر بـ«الصراع على المعبر» ذاته، والذي ترى فيه تلك الجماعات مصدر دخل كبيراً، بالإضافة إلى محاولة بعضها الإبقاء على الوضع الحالي لما يوفّره من ظروف مناسبة لاستمرار عمل بعض خطوط التهريب.
بالتزامن مع ذلك، شهدت مدينة أعزاز الحدودية مع تركيا، شماليّ مدينة حلب، انفجار سيارة شاحنة على المدخل الغربي للمدينة، ما تسبب، وفق إحصاءات ليست نهائية، بمقتل وإصابة نحو 20 شخصاً، وسط أنباء متضاربة حول سبب هذا الانفجار، بين حديث عن أن الشاحنة كانت مفخخة وأحاديث أخرى تفيد بأنها كانت تحمل أسلحة وذخائر وانفجرت لسبب ما.
ولم يكد يقع الانفجار، حتى بدأت الفصائل حملة قصف عنيفة طاولت مواقع سيطرة «قسد» في ريف حلب الشمالي، بالتزامن مع بدء المسيّرات التركية حملة استهدافات جديدة طاولت مقارّ في منطقة «جبل عبد العزيز» في الحسكة ومناطق أخرى، من دون ورود أنباء دقيقة عن نتائج هذه الاستهدافات.
وتزامنت تلك الحملة مع المعارك العنيفة التي تخوضها «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد) ضد مقاتلي العشائر العربية، والذين شنوا هجوماً مباغتاً على مواقع الأكراد في ريف دير الزور، طلبت «قسد» على إثره دعم الولايات المتحدة، التي شنت طائراتها غارات على مواقع المقاتلين العشائريين في محاولة لإنهاء الهجوم.
كثّف الجيش السوري «عمليات نوعية» طاولت مقارّ ومواقع انتشار فصائل «جهادية» في ريف إدلب
في غضون ذلك، كثّف الجيش السوري ما سمّاه مصدر ميداني «عمليات نوعية» عبر المسيّرات الانتحارية، التي هاجمت مقارّ ومواقع انتشار فصائل «جهادية» في ريف إدلب.
وذكر المصدر، في حديثه إلى «الأخبار»، أن هذه الاستهدافات ترمي بشكل أساسي إلى تدمير قدرات المسلحين، مضيفاً أن سلاح المدفعية استهدف أيضاً عدداً من مواقعهم في منطقة النيرب في ريف إدلب، بالإضافة إلى القضاء على أربعة مسلحين جرى استهدافهم قرب قاعدة عسكرية تركية في الريف الشرقي لإدلب.
على خط مواز، بدأت تركيا تحضيراتها لإعادة إحياء مسار «اللجنة الدستورية» بعد الزيارة التي أجراها المبعوث الخاص للرئيس الروسي في سوريا، ألكسندر لافرنتييف، إلى العاصمة التركية، حيث أجرى عدداً من اللقاءات، أبرزها لقاء جمعه مع نائب وزير الخارجية التركي، نوح يلماز، ذكرت المصادر أنه تمحور حول الدفع لإعادة إحياء هذا المسار الأممي، بعد التوافق على نقل الاجتماعات إلى العاصمة العراقية بغداد.
وفي السياق نفسه، أجرى وزير الخارجية التركي، حاقان فيدان، لقاءً مع وفد من المعارضة السورية، ضم رئيس «الائتلاف» هادي بحرة، ورئيس «هيئة التفاوض» بدر جاموس، ورئيس «الحكومة المؤقتة» عبد الرحمن مصطفى.
وذكرت الخارجية التركية، في بيان مقتضب نشرته على حسابها عبر موقع «X»، أن الاجتماع تناول التطورات الأخيرة في المسألة السورية، مضيفة أن الوزارة «جدّدت دعمها للجهود الحوارية والتفاوضية الجادة والواقعية التي ستمهّد الطريق لحل سياسي شامل في سوريا على أساس قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الرقم 2254»، في إشارة إلى مسار «اللجنة الدستورية».