كتبت خديجة فؤاد شكر في الأخبار:
ليست هذه المرّة الأولى التي أكتب فيها على هذه الصفحات. فقد كنت قد شاركت في كتابة وإعداد ملفّات ومقالات عن مواضيع مختلفة، تدور كلها في رحاب المقاومة والشهداء. في المرات الأولى، شاركت من دون أن أدوّن اسمي. ثم لاحقاً صرت أكتب باسمي فقط. لكنني اليوم، في رحاب المقاومة والشهداء أيضاً، لم يعد من داعٍ لأن أختصر اسمي.أنا خديجة فؤاد شكر. الابنة التي تربّت في ظلّ أبٍ، لطالما كان حديث الشهادة والشهداء على لسانه وفي باله. وحاز الحديث عن الشهداء، حيّزاً واسعاً من القصص التي يرويها الأب لابنته. والتي تحوّلت بعد سنوات وسنوات، إلى تشجيع منه لي، لكتابة هذه «القصص»، وسردها في مقالات وتقارير وموادّ إعلامية مختلفة، تدور كلها حول المقاومة والجهاد والشهادة. وهو كان يرى في رواية وكتابة قصص المقاومة، مشاركةً حقيقيةً في ميدان من ميادين المقاومة.
هذه القصص التي بنت وعينا، أنا وإخوتي، كما كان يحدّثنا بها هو، حيث يبدأ في كربلاء الإمام الحسين (ع)، ويمرّ على رفاق الدرب وأصحاب الطريق من الذين رحلوا، ويختتم بأمنيّة معلّقة - أو كانت إلى الأمس معلّقة - بأن يختم له الله بالشهادة. وكنا رغم خوفنا على والدنا، وقلقنا الدائم الذي لم نعرف غيره معه، ورغم أن مجرّد فكرة رحيله عنا، كان يهزّ قلوبنا، ويثير خوفنا من الفقد، ومن أن تفتقده سوح الجهاد ومواقع القيادة والمعاونة لسيّدنا وقائدنا سماحة السيد حسن نصرالله (حفظه الله ورعاه)، إلا أنّنا كنا ندرك أن الشهادة مُنتهى آماله وغايته في نهاية الطريق، والخاتمة التي تليق بعمره المليء بالجهاد والتضحية والانتصارات.
واليوم، لم يعد بالإمكان أن أسمع من أبي قصص الشهداء، إلا في تسجيلات خاصة، ستكون مؤونتي في الأيام القادمة، بل ها هو اليوم - السيد محسن - والدي، صار القصة والحكاية، والسرّ الذي ذاع، والعطر الذي فاح. أمس، عندما دعونا لنتودّع من والدنا، ورأيناه وقد واسى شهيد كربلاء، حتى في طريقة الشهادة، وموعدها في شهر محرّم الحرام، وأنا أمام أبي للمرة الأخيرة، شعرت بالكثير، كالفخر والعزة وخفقان القلب والحيرة... وغيرها الكثير الكثير، إلا اليُتم. ذلك، لأن لا يتمَ لأحد منا، بوجود أبينا الأكبر، وقائدنا الأول، الذي ندعو الله - كما كان والدنا يفعل - لحفظه وتسديده ورعايته. لا يتم بوجودك يا «عمّو السيّد».