جاء في جريدة الأخبار:
من كان يستمع الى تصريحات سمير جعجع وقياداته السياسية والإعلامية طوال العام الماضي، كان يمكنه فهم أن «القوات اللبنانية» لم تكن يوماً بعيدة عن الخطط التي يعدّ لها العدُوّان الأميركي والإسرائيلي ضد المقاومة، ولا عن التعاون مع دول خليجية تعتبر «القوات» فريقاً «مستعداً وقادراً” على القيام بالكثير من الأنشطة لمحاصرة «حزب الله» داخلياً، علماً أن جعجع مهتمّ أولاً وقبل كل شيء بـ»إزاحة كل الخصوم المسيحيين من دربه، فلا يبقى أثر للتيار الوطني الحر، فيما يعمل حزب الكتائب تحت جناحه، ويكون هو من يرشح القيادات المسيحية التي ستؤدّي دوراً في المستقبل». وهي خطة يفترض أنها ستتحقق سريعاً بفعل العملية العسكرية الإسرائيلية.
وبمعزل عن كل ما كشفته وثائق “ويكيليكس” سابقاً، وما قاله وليد جنبلاط ذات مرة، وما رفض سعد الحريري الإعلان عنه عندما وعد بـ”بقّ البحصة»، فإن المشترك بين كل هؤلاء هو أن جعجع ينطلق في حساباته من أنه «الوحيد الذي يملك قاعدة عقائدية تنتج آلاف المقاتلين المستعدين لمواجهة حزب الله في أي مواجهة داخلية». غير أنه يواجه معضلة ليس قادراً الآن على وضعها بنداً على جدول الأعمال، وتتعلق بأنه لا يعتقد بأن جوزيف عون هو الأصلح لرئاسة الجمهورية، وأنه شخصياً الأحقّ بهذا المنصب، كونه يملك تمثيلاً شعبياً كبيراً، ولديه حلفاء قادرون على تولّي مناصب عليا في الدولة، مرشحاً فؤاد مخزومي أو أشرف ريفي لتولي رئاسة الحكومة، لأنه «لم يعد يجد في فؤاد السنيورة الرجل القادر على تجاوز الاعتبارات المتعلقة بالمواجهة الشاملة».
ويعتمد جعجع الآن نسقَين في معركته، أحدهما يتعلق بخطاب تصالحي عام، لجهة عدم الاشتباك مع «السنّة والدروز وشيعة نبيه بري»، والطلب من القرى البقاعية الشمالية التي يوجد لفريقه نفوذ قوي فيها بالمساعدة في إيواء النازحين، لكنه يطلب من عناصره في مناطق أخرى، وخصوصاً في جبل لبنان، القيام بكل ما يلزم لإشعار النازحين بأنهم غير مرحّب بهم، وأنهم يدفعون ثمن سيرهم خلف حزب الله.
والخطير في أفكار قائد «القوات» ونشاطه لا يقف عند هذا الجانب السياسي فقط، بل يمكن تلمّسه من خلال ما ينقله متابعون لتفاصيل اجتماعاته الداخلية. وقد أمكن لجهة أمنية رسمية جمع ما تسمّيه «حصيلة عدة اجتماعات خاصة وضيّقة عقدها جعجع مع مقرّبين منه». وبحسب هذه الجهة، فإن عناوين نشاط قائد «القوات» يمكن حصرها بالآتي:
يقول جعجع إن «لدينا اتفاقاً مع دولة خليجية كبرى على خطوات يجب تنفيذها في المرحلة المقبلة، تتقاطع مع العنوان الأميركي القائل بمرحلة لبنان من دون حزب الله. والعناوين السياسية والتعبوية تركّز على اعتبار حزب الله حزباً منبوذاً من قبل العالم كله، وملاحقاً من المجتمع الدولي بسبب ما ارتكبه من جرائم. ويجب الانطلاق في العمل من قناعة أن حزب الله هو الآن في وضعية المهزوم والمحطّم، قبل أن يتحول الى حزب شبه محظور، تمهيداً لفتح ملف قضائي داخلي وخارجي يؤدي، في المرحلة الأولى، الى جعل الجيش اللبناني بقيادته الجديدة أمام مهمة نزع سلاحه بمختلف أنواعه، وليس من مراكز أو قواعد فقط، بل من أفراده أيضاً”.
وحسب برنامج «الحكيم»، فإن «علينا الاستعداد لوضع نتعامل فيه مع حزب الله على أنه تنظيم إرهابي مثله مثل داعش، واعتبار كل ما يقوم به عملاً داعماً للإرهاب، وأن نستند هنا الى موقف القوى العالمية والعربية التي تصنفه على هذا الأساس». ويضيف أنه «يجب إعادة فتح كل ملف الجرائم التي يقف حزب الله وراءها، بما فيها كل الاغتيالات السياسية التي شهدها لبنان، ولا سيما اغتيال رفيق الحريري، وصولاً الى تحميله مسؤولية تدمير العاصمة في 7 أيار 2008، والاشتباه بدوره المباشر في تفجير المرفأ».
الأمر الآخر هو أن جعجع يعتقد بأنه يمكن «إطلاق حملة لإقناع اللبنانيين بأن أموال الدولة سرقت لحماية سلاح حزب الله، وأن الحزب كان يموّل نفسه من تجارة المخدرات في لبنان وسوريا، ويقيم مناطق خارجة عن القانون، ويتهرب من دفع الضرائب ويتولى إدخال بضائع غير قانونية عبر المرفأ والمطار والحدود المفتوحة مع سوريا».
ويعتقد جعجع أنه لن يكون صعباً «وضع استراتيجية تقول إن حزب الله يقف وراء كل الخراب الذي أصاب لبنان بسبب أدواره خارج لبنان، وإعادة إحياء الدور الذي قام به حزب الله في سوريا حيث كان شريكاً في سفك دماء الشعب السوري، كما أنه كان صاحب دور في تعريض أمن الخليج للخطر من خلال دوره في اليمن، وشريك في الفوضى التي تصيب العراق». ويتحدث جعجع بثقة عن «أن الدول الأجنبية ستسارع الى فتح الملفات القديمة الخاصة بدور حزب الله في قتل الأجانب في لبنان وتفجير السفارات وقتل العسكريين الأجانب».
ويعود جعجع مرة جديدة الى بيت القصيد الذي يهمّه، وهو ما يختصره بالحديث عن «الحاجة الى تركيبة حكم من نوع خاص. فهذه المرحلة تتطلب أن يكون هناك مرشح قوي مثله لرئاسة الجمهورية، وأن يكون هناك صلاحيات تنفيذية عملية لهذا الرئيس، وخصوصاً في ملفَّي حاكمية مصرف لبنان وقيادة الجيش وإدارة الأجهزة الأمنية». ولا يخفي جعجع طموحاته الخاصة بتعديل اتفاق الطائف، عندما يقول، بأنه متفاهم مع السعودية على أن يكون رئيس الحكومة شخصية ضعيفة ومغمورة تديرها الرياض، وفق المهمة المطلوبة، وأن الخليج بالتعاون مع الولايات المتحدة سيوفران الدعم لإعادة بناء الدولة التي كان حزب الله عائقاً أمام تنفيذها».
لكن، كيف يمكن الوصول الى هذه الخلاصات في ظل ما يجري الآن على الأرض؟
عند جعجع الجواب الشافي أيضاً، فهو يعتقد أن إسرائيل لديها «تكتيكها الخاص في المعركة البرية، وهي تعدّ لخطط إضافية تكسر ما تبقّى من جسم حزب الله». ويعتقد جعجع أنه يجب «فضح حقيقة أن حزب الله لم يعد حزباً لبنانياً على الإطلاق، وأنه في وقت معين كان بمقدور أمينه العام الراحل السيد حسن نصرالله إضفاء طابع لبناني على القرار، لكن القيادة عادت كلها الى إيران بعد مقتله، والآن يوجد في لبنان مسؤولون من إيران يديرون الحزب سياسياً وعسكرياً وأمنياً”.
وبحسب معطيات «الحكيم»، فإن الحضور الإيراني كبير جداً، وقد حصلت الأحداث الكبيرة التي تدلّ على ذلك «من مقتل ضابط إيراني كبير كان مع نصر الله في المقر المركزي، كذلك قتل ضابط آخر كان موجوداً مع القائد العسكري فواد شكر، وأنه يجري التكتّم على مقتل عشرات الضباط الإيرانيين الذين كانوا موجودين مع السيد هاشم صفي الدين”.
و”معلومات الحكيم” لا تقف عند هذا الحد، فهو يعرف “أن السفارة الإيرانية في بيروت ليست سوى مقر قيادي للمخابرات الإيرانية وللحرس الثوري الإيراني، وهي تضمّ الآن مكاتب لإدارة حزب الله وإدارة الحرب في الجنوب، حتى إن السفير الإيراني مجتبى أماني كان ضابطاً وليس ديبلوماسياً، بدليل أنه أصيب يوم عملية تفجير أجهزة البيجر”.
وبحسب معلومات «الحكيم»، فإن إسرائيل «تعدّ لهجوم ضخم وكبير يستهدف الوجود العسكري والأمني الإيراني في لبنان، وإن السفارة الإيرانية باتت هدفاً مشروعاً، وخصوصاً أن لدى إسرائيل معلومات عن أن محاولة اغتيال رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو تقرّرت في اجتماعات عقدت في السفارة». ويعتقد جعجع أن إسرائيل «ستنفّذ إنزالاً بحرياً وجوياً كبيراً في منطقة الجناح، حيث يقع مقر السفارة والمباني المحيطة به، بهدف قتل وأسر العشرات من قيادات حزب الله والضباط الإيرانيين، وهو سيكون إنجازاً ضخماً يقضي على حزب الله بصورة نهائية”.
وعلى هذه السيرة، لفت أحد الزملاء العاملين في «المؤسسة اللبنانية للإرسال» إلى أن مراسلة القناة في حيفا، آمال شحادة، كانت قد أشارت الى موضوع السفارة الإيرانية خلال مقابلة جرت معها على الهواء بعد الإعلان عن محاولة اغتيال نتنياهو، وأن الصحافية الموجودة في أراضي الـ 48، لم تعد إلى ذكر الأمر بناءً على تعليمات قالت إنها أتتها من قبل الرقابة العسكرية.