جاء في جريدة الأخبار:
مع مرور شهر، تابع العدو حربه على لبنان ضمن مساريْن: الغارات الجوية العنيفة على كل المناطق، والعملية البرية.
وكان لافتاً رفع العدو أخيراً وتيرة قصف الضاحية الجنوبية، ما بدا رداً على تعرّض قواته لضربات توقع عدداً غير قليل من القتلى والجرحى. وقد تبيّن أن لا أساس لما حُكيَ عن «مبادرة» أميركية لتخفيف الغارات الجوية في بيروت. فيما بدا العدو أمام مفاجآت على صعيد العملية البرّية بعدما واجه مقاومة قاسية من مقاتلي حزب الله، حيث لا يزال القتال قائماً في قرى الحافة الحدودية. وحيث لم ينجح العدو بعد باحتلال قرية بكاملها، أو حتى تثبيت قواته في مواقع حاكمة، علماً أنه حاول التسويق إعلامياً لما يعتبره إنجازات من خلال عرض مشاهد جوية تظهر الدمار الكبير الذي لحق بهذه القرى.
ونجحت المقاومة خلال الساعات الـ48 الماضية في تنفيذ مجموعة من الضربات التي أخرجت كتائب بأكملها من جيش العدو من الخدمة بعدما اعترف العدو بمقتل 27 جندياً وإصابة أكثر من 400، منذ بداية العملية البرية.
وكانت المقاومة أوقعت قوة في كمين محكم في المنطقة الحرجية في محيط بلدة رامية، حيث قُتل 5 ضباط وجنود إسرائيليين، بينهم قائد سرية، وأُصيب 6 آخرون بجروح خطيرة، وفق المتحدث باسم جيش العدو.
وبحسب صحيفة «هآرتس»، فإن «الجنود قُتلوا في كمين بالغابات مقابل مستوطنة زرعيت حيث باغت عناصر حزب الله الجنود، وكانت عملية الإخلاء صعبة جداً تحت النيران حيث أصيب الجنود الستة بجراح خطيرة أثناء عمليات الإخلاء». فيما قالت إذاعة جيش العدو إن «المنطقة التي خرج منها عناصر حزب الله في القطاع الغربي، تعرّضت لقصف جوي قبل دخول قوات الجيش الإسرائيلي، ورغم ذلك تمكّن عناصر حزب الله من التحصّن بشكل جيد، وعندما لاحظوا تقدّم الجنود ألقوا تجاههم عدداً من القنابل اليدوية»، ما دفع بصحيفة «معاريف» إلى التعليق بأن «هذا هو الحال الذي كان عندما كان الجيش الإسرائيلي في لبنان في الثمانينيات والتسعينيات، وكان الأمر نفسه في حرب لبنان الثانية، وهو الأمر نفسه اليوم».
وليل أمس، نقلت وسائل إعلامية إسرائيلية أن عمليات نقل الجنود المصابين استمرت حتى قرابة منتصف الليل، علماً أن قناة «الجزيرة» كانت نقلت عن مصادر ميدانية أن قوة إسرائيلية تعرّضت لهجوم كبير في عيتا الشعب. فيما شهدت المستوطنات الحدودية نشاطاً مكثّفاً ومتواصلاً لمروحيات العدو لنقل الإصابات إلى مستشفيات زيف في صفد ورامبام في حيفا، وحتى إيخيلوف في تل أبيب. وحتى عصر أمس، كان قد نُقل 36 ضابطاً وجندياً مصاباً من الميدان.
ودمّر المقاومون فجر أمس، في عيتا الشعب دبابة ميركافا بصاروخ موجّه، ما أدى إلى احتراقها ووقوع طاقمها بين قتيل وجريح. ثم تجدّدت هذه الاشتباكات، من مسافة صفر، عند الظهيرة، بِمختلف أنواع الأسلحة الرشاشة والصاروخية، وعند تدخّل دبابة ميركافا للإسناد، استهدفها المقاومون بالأسلحة المناسبة، ما أدى إلى احتراقها ووقوع طاقمها بين قتيل وجريح. كما استهدف المقاومون قوات العدو أثناء تقدّمها عند مثلث عديسة - رب ثلاثين - الطيبة وأجبروها على التراجع. فيما استهدف المقاومون دبّابة ميركافا شمال غرب بلدة عديسة، ودبابة أخرى جنوبي البلدة، بصواريخ موجّهة، ما أدى إلى احتراق الدبابتين ووقوع طاقميهما بين قتيل وجريح. كما تابعت المقاومة استهداف تجمّعات العدو في المستعمرات الحدودية وعند أطراف البلدات الحدودية.
واستهدفت المقاومة قاعدة سنط جين (قاعدة لوجستية تابعة لقيادة المنطقة الشمالية) بين مستعمرة نهاريا ومدينة عكا المحتلة بصلية صاروخية كبيرة، وكشفت وسائل إعلام إسرائيلية عن وقوع 3 إصابات جراء سقوط الصواريخ. كما استهدف المقاومون قاعدة نشريم جنوب شرق مدينة حيفا، وقاعدة زوفولون للصناعات العسكرية شمال المدينة، بالصواريخ، فيما أفادت »القناة 12» العبرية عن رصد سقوط صواريخ في محيط مدينة حيفا. وشنّت المقاومة هجوماً جوياً بسرب من المُسيّرات الانقضاضية على ثكنة راموت نفتالي وأصابت أهدافها بدقة.
جيش العدو قام بأقصى ما يمكنه، إلا أنه لم ينجح في منع الضربات الصاروخية للمقاومة أو حدّها عمقاً وكثافةً
وفي إطار الردّ على اعتداءات العدو على القرى والبلدات واستهداف المدنيين، قصفت المقاومة مدينة صفد المحتلة، ومستعمرتي كريات شمونة وكرمئيل بصليات صاروخية مكثّفة. وأفادت وسائل إعلام عبرية بإصابة مبنى بصاروخ بشكل مباشر في الكرمئيل، حيث وقعت إصابات في صفوف المستوطنين. وفي إطار سلسلة «عمليات خيبر»، قصف المقاومون مدينة نهاريا بصلية صاروخية كبيرة جداً.
وفي غضون ذلك، برز تصريح لافت لرئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، هرتسي هاليفي، ربط فيه إمكانية وقف الحرب مع لبنان بما أنجزه جيشه لجهة «القضاء على القيادة العليا للحزب»، بحسب تعبيره، في إشارة هي الأولى لقائد جيش الاحتلال، ما يشي بوجود تقديرات مستجدّة لدى الجهات العسكرية، بناءً على الوضع الميداني المتغيّر لمصلحة المقاومة، سواء في ما يتعلّق بمواجهة العملية البرية أو باستهداف العمق الإسرائيلي، الذي يتطوّر تصاعدياً مع مرور بالوقت، وهو يتمدّد باتجاه الوسط، ويُحدث إرباكاً كبيراً هناك، بعدما عطّل الحياة بشكل شبه كامل في كامل الشمال. يترافق ذلك مع حقيقة أن جيش العدو قام بأقصى ما يمكنه من ضربات من الجو، وبعد مضي أكثر من شهر على الحرب على لبنان، إلا أن الجيش لم ينجح في منع الضربات الصاروخية للمقاومة أو حدّها عمقاً وكثافةً، وهذا يشكّل مؤشراً عسكرياً بأن هذا أقصى ما تستطيع إسرائيل القيام به في الميدان، وهذا يعني استمرار قصف العمق الإسرائيلي، في حال استمرار الحرب.
إضافة الى مسألة الخسائر المتراكمة في القتال البرّي، ما يدل على حضور هذه العوامل لدى قيادة المستوى الأمني، فكان خروج هاليفي بهذا الموقف، ما قد يُفسر بأنه محاولة للضغط على المستوى السياسي، أمام الجمهور، علماً أن الجميع جرّب محاولات الجيش هذه في الحرب المستمرة على غزة.
انتحار طيار إسرائيلي
نقلت وسائل التواصل الاجتماعي في كيان العدو منشوراً لمستوطنة تُدعى نيتال ليفنسون، تقول فيه إن طياراً قريباً منها، انتحر ليلة أمس بسبب ما يعانيه من اضطراب ما بعد الصدمة بسبب الحرب. وأضافت أن عائلته تطالب بتشييعه في جنازة عسكرية ولكن الجيش يرفض ذلك، مطالبة الجمهور الإسرائيلي بمساعدة العائلة لكي يحظى نجلها بجنازة عسكرية.
وقد انهالت التعليقات التي تطالبها بالرد على الرسائل الخاصة لتقديم المساعدة للعائلة. وكان لافتاً أن كثراً من الإسرائيليين المؤثّرين انضموا إلى هذه الحملة، بينهم عضوة الكنيست نعمة لازيمي من حزب العمل.
يُشار إلى أن الجيش يتكتم على حالات الانتحار في صفوف مقاتليه، ولا ينشر الأرقام الحقيقية حول الظاهرة، لأسباب عدة أبرزها حساسية المسألة، ومشاعر العائلات، والخشية من تأثير ذلك أيضاً على الحصانة النفسية للجنود الذين انضم عشرات الآلاف منهم إلى مؤسسة معاقي الجيش، من ضمنهم أولئك المُعترف بإصابتهم باضطراب ما بعد الصدمة جراء مشاركتهم في الحرب.
والطيار المنتحر هو جدعون حن، جد الجندي الأسير في غزة إيتاي حن، انتحر بعد عام كامل من اعتقال حفيده إيتاي يوم السابع من أكتوبر. وبحسب قوانين جيش العدو، فإن الجندي الذي ينتحر لا يتم دفنه من قبل الجيش ولا تُقام له جنازة عسكرية.