عاجل:

استقلالية القضاء بالممارسة والحجار نموذجاً

  • ١٨٨

كتب داود رمال:

اذا كانت العدالة هي ميزان الحق، فان القضاء هو ميزان الاوطان، وعندما يصاب أي بلد بخلل ما نتيجة حرب او فوضى او انقسامات طائفية وعرقية واثنية، يبقة القضاء هو الملاذ الذي يؤوي اليه الجميع، والبديل هو تعميم شريعة الغاب او كما نقول باللبناني "حارة كل من الو".

فعندما تفشت الرشوة والفساد في بريطانيا العظمى  ابان الحرب العالمية الثانية، عمد أحد اركان فريق عمل رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل الى ابلاغه بحقيقة الامر، كونه يشكل خطرا داخليا يوازي لا بل يفوق الحرب ضد الاعداء، وأخبره الأمر، فبادره تشرشل الى طرح سؤال مفتاحي صار لازمة يرددها الجميع: "هل وصلت الرشوة إلى القضاء؟"، فأجابه معاونه بالنفي، يومها ردد تشرشل عبارته الشهيرة: "إذن بلدنا في أمان وبخير".

الامر تكرر مع شارل ديغول عندما دخل فرنسا، عقب تحريرها من الغزو النازي، يومها سأل صديقه  الخُلّص أندريه مارلو: "كيف حال القضاء؟"، فرد قائلا "إنه ما زال ببعض الخير"، فقال ديغول: "إذن، نستطيع أن نبني فرنسا من جديد".

انما الاكثر تعبيرا عن كيفية سير عمل القضاء وتطبيق العدالة، هو ما عبّر عنه رئيس روسيا الاتحادية فلاديمير بوتين عندما قال بأن "منظومة القضاء في روسيا تتطور، توجد هناك مشاكل، لكن يجب التعامل مع التغييرات بمهنية وبعيداً من الشعارات، ويتطور النظام القضائي في روسيا، ولكن كما هو الحال في أي مجال آخر، هناك قضايا ومشاكل، ولكن يجب أن يتم التعامل معها بمهنية ومن دون شعارات، هنا لا يجوز بأي شكل من الأشكال التلويح بالسيف، ولكن إذا قمت ببعض العمليات، فيمكنك القيام بذلك بمهنية وبمساعدة "مشرط"، وأفضل من خلال العقاقير الدوائية. بحيث تكون بدون ثورات، ولكن في مسار تطوري للانتقال إلى الحالة المجتمعية ونظم الإدارة اللازمة".

اذن، العمل القضائي بما هو ركيزة اساسية وعامود فقري في بنيان الوطن، ليس عملية استعراضية، او النظر بعين واحدة واغماض الاخرى عن حقائق كونها تعني جهة او فئة او مسار معين، وعندما نص الدستور اللبناني على استقلالية السلطة القضائية، فان هذه الاستقلالية لا تُمنح انما تنتزع من القضاء، اذ كلما مارس القاضي استقلاليته وأقفل كل المسارب التي تتسلل منها السياسة الى القضاء، كلما تمكّن من مراكمة مداميك الاستقلالية، لان استقلال القضاء يكون بالممارسة قبل النص، وهذا ما بدأ اللبنانيون يلمسونه من أداء النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار، الذي باشر مسك الملفات القضائية الحساسة بعيدا من أي اعتبار، بعدما كادت العدالة في لبنان، نتيجة تغوّل السياسة، الى وجهة نظر، والى عدالة جهوية، تتحقق في مجال وقطاع وتضيع في مجالات وقطاعات اخرى".

ومن دون الدخول في السرديات الممجوجة اعلاميا وسياسيا، كان لا بد من اداء قضائي مختلف، نابع من نص وروح الدستور والفهم الحقيقي للقوانين، لذلك؛ نجد انفسنا نكرر دوما بأن استقلالية القضاء بالممارسة، وكلما تمسّك القاضي بموجب التحفّظ واستعان على تحقيق العدالة بالكتمان وليس بالاستعراض، كلما وجد ان الطريق أقصر الى تحقيق الغاية المرجوة".

مؤخرا، ضرب النائب العام التمييزي يد العدالة على طاولة المزايدات القضائية فخلخل دعائمها، وباشر مسارا طبيعيا في القضاء، والانظار تتوجه اليه لكي يكون الانموذج في ممارسة الاستقلالية القضائية.