بالتزامن مع وصول مساعدات مصرية إلى لبنان، وبدء إجلاء عدد من المصريين الراغبين في العودة إلى القاهرة من خلال برنامج رحلات استثنائية عبر مطار بيروت، تواصلت الاتصالات على المستويات السياسية والعسكرية ضمن مساعي القاهرة لبلورة رؤية مشتركة من أجل الضغط على إسرائيل لوقف الاعتداءات على لبنان بأسرع وقت.تقول المصادر المصرية إن أيّ دعم أميركي لم يظهر، وإن الأجوبة من واشنطن تحيل الناس الى الانشغال بالانتخابات الرئاسية، ومواصلة تغطية العدوان بتبرير الاعتداءات الإسرائيلية بالحقّ في القضاء على «حزب الله». وهو أمر تخشى مصر من تداعياته، عدا عن اعتقادها باستحالة نجاحه. لكن الخشية المصرية ترتبط أكثر بما وردها عبر ديبلوماسيين وعسكريين بأن إسرائيل أعدّت خطة تصعيدية تستمر لأسبوعين على الأقل، ما يسمح بإنجاز ما وصفته المصادر المصرية «معركة الإبادة» للضاحية الجنوبية في بيروت.
وقال مسؤول مصري، شارك في الاتصالات، لـ»الأخبار»، إن عمليات الاستهداف للضاحية «مرشحة للتصاعد وبوتيرة أكثر تكثيفاً خلال الأيام المقبلة، من أجل تعزيز منطق إسرائيل في تدمير المنطقة بالكامل، بما فيها من مبانٍ سكنية بحجة أنها تدمّر المقارّ الرئيسية للحزب».
ونقل المسؤول المصري عن مسؤولين أميركيين قولهم إن تدمير مقارّ الحزب في الضاحية وإعادة بناء المنطقة مستقبلاً للمدنيين من خلال الدولة اللبنانية سينهي مراكز ثقل الحزب وتأثيره العسكري. لكن المسؤول المصري يقول إن إسرائيل تكذب، وهي تخطّط لعمليات تدمير لن تقتصر على الضاحية، وإن كانت تعرف بأنها لن تؤثر على جسم الحزب وأعضائه.
ويبدي المسؤولون المصريون خشيتهم من أن التصعيد، نتيجة ما تبلّغوه من مصادر أميركية بأن الحرب الإسرائيلية لن تقتصر على الضاحية فقط، وأن جميع قيادات «حماس» و»حزب الله» والفصائل الداعمة لهما ستكون «أهدافاً مشروعة» للغارات الإسرائيلية، بغضّ النظر عن مكان وجودها، فيما طلبت القاهرة من الأطراف المنخرطة بالتواصل مع الإسرائيليين المطالبة بمنح مهلة للمنازل المدنية التي سيجري استهدافها ليتمكن سكانها من تنفيذ عمليات الإخلاء.
وبحسب مصادر عسكرية مصرية، تحدّثت إلى «الأخبار»، فإن إسرائيل، التي تظهر تفوقاً على صعيد القصف التدميري في الضاحية الجنوبية، تواجه مشاكل جوهرية في المهام على الحدود. وتواجه صعوبات جدية في تحقيق تقدم خلال كل الاقتحامات التي قامت بها، وإن تعرّضها لضربات قاسية من مقاتلي حزب الله قد يؤثّر على خطة إسرائيل الخاصة بالحرب البرية.
وتعتقد القاهرة بأن مسألة عودة سكان الشمال الإسرائيلي إلى أماكنهم أمر غير مطروح في الوقت الحالي، وخصوصاً أن قدرات حزب الله العسكرية لا تزال قوية جداً، وأن جميع المعنيين والمتخصصين أعربوا عن وجود مفاجأة كبيرة عند قيادة جيش الاحتلال من طبيعة المواجهات البرية مع مقاتلي حزب الله، حيث تبيّن أن قدرة مقاتليه في المواجهة فاجأت العسكريين الإسرائيليين الذين اعتقدوا بسهولة التوغل البرّي، حيث كان هناك رهان على تأثير سلبي على المقاتلين نتيجة استشهاد السيّد حسن نصر الله.
وتسعى مصر لتشكيل قوة ضغط أوروبية على إسرائيل تتضمّن تهديدات بتعليق صفقات الأسلحة، على غرار الدعوة التي أطلقها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في خطوة تعتقد القاهرة بأن ردّ فعلها سيكون قوياً في الداخل الإسرائيلي، في ظل عدم رغبة أو قدرة واشنطن على تغيير الموقف لدى صنّاع القرار في تل أبيب. وتتّكل القاهرة بقوة على انخراط باريس بشكل أكثر جدية لمنع مزيد من التصعيد.
وعلمت «الأخبار» أن القاهرة تخطّط لإرسال موفدين الى بيروت قريباً، سواء لمواكبة الاتصالات السياسية، أو لمتابعة ملف المساعدات الإنسانية. فيما تتواصل عمليات التنسيق مع القطريين في محاولة لتغيير الموقف الخليجي ممّا يحدث وتسريع وتيرة محاولات التهدئة، وخصوصاً أن الجانبين يتعاملان بقلق شديد من توسّع الحرب إزاء قرار إسرائيل القيام بهجوم ضد إيران، وخصوصاً أن واشنطن تتذرّع بعدم قدرتها على حسم وجهة الحكومة الإسرائيلية، وأنها تتخذ قرارات من دون تنسيق مسبق مع الأميركيين. ولا تخفي المصادر المصرية الخشية من تداعيات كبيرة لما يجري الآن في غزة ولبنان والمنطقة على اقتصادها، وتحديداً على عمل قناة السويس في ظل الانسداد الواضح في المفاوضات حول إنهاء الحرب في غزة.