جاء في مانشيت جريدة النهار:
كانت آخر الحروب والمعارك التي قادها الأمين العام الثالث لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله معركة "إسناد غزة" التي لو قُيّض له الحياة لأسبوعين فقط بعد لكان أحيا ذكراها السنوية الأولى باطلالة من إطلالاته التي اشتهر بها خطيباً يُتقن عبرها اجتذاب مناصريه واهتمام خصومه وأعدائه. في كل بيانات الحزب لإعلان استشهاد مقاتليه كانت عبارة "ارتقى على طريق القدس" بمثابة العنوان "الجهادي" الأساسي لهذه المعركة الطويلة. في نهاية المطاف "ارتقى" السيد نصرالله نفسه على الدرب الذي قاد حزبه ومقاتليه وقادته عليه وصار مع أكثر قادته في مقدم الشهداء.
لعله الحدث الأضخم والأخطر في تحولات لبنان والمنطقة أن تنقض إسرائيل على "حزب الله" وقيادته وصولاً الى زعيمه "الأسطوري" في نظر محازبيه وأنصاره بالطريقة غير المسبوقة التي نفذت بها عملية الاغتيال في الضاحية الجنوبية واستلزم الأمر نحو 24 ساعة لإعلان "حزب الله" رسمياً نعي أمينه العام علماً أن إسرائيل راحت "تحتفل" بأقوى اغتيالاتها منذ سددت الضربة الزلزالية المدمرة لمجمع المباني الذي استهدفت فيه السيد نصرالله ومن كانوا معه للمرة الأخيرة.
مع اغتيال السيد نصرالله دخل الصراع بين إسرائيل و"حزب الله" مرحلة انقلابية في خلل غير مسبوق في ميزان القوى سيرتب بطبيعة الحال تداعيات قد لا يكون يشبهها أي حدث سابق في تاريخ الصراع والحروب مع إسرائيل. ذلك أن نصرالله تحوّل بعد 32 عاماً من زعامته على رأس "حزب الله" الركن والرمز الأقوى اطلاقاً في محور الممانعة وصار يشكل عنوان المعادلة الإقليمية التي دأب وحرص على إظهار أبوته لها وهي معادلة "وحدة الساحات" التي رفع لواءها بقوة في معركة "إسناد غزة". تبعاً لذلك اتخذت عملية اغتياله تتويجاً لنجاحات خارقة لإسرائيل في اغتيالات طاولت السلسلة القيادية الأساسية للحزب بعداً غير مسبوق في تحويل وجهة الصراع إلى محفّز لإسرائيل لمزيد من الانقضاض على مناطق نفوذ الحزب والإمعان في عدوان تدميري إجرامي لم يوفّر المدنيين في أي وجه بل ذهبت إسرائيل الى تصعيد ما وصفته الحصار على لبنان فيما المجتمع الدولي يقف عاجزاً عن ردعها عن احراق وتدمير مناطق الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية وسواها. كما أنها مضت في الاغتيالات وكان القيادي حسن خليل ياسين الشهيد الأخير الذي اغتالته مساء أمس.
"حزب الله" نعى بعد ظهر أمس أمينه العام "شهيدًا عظيمًا قائدًا بطلًا مقدامًا شجاعًا حكيمًا مستبصرًا مؤمنًا"، ملتحقًا بـ"رفاقه الشهداء العظام الخالدين الذين قاد مسيرتهم نحوًا من ثلاثين عامًا، قادهم فيها من نصر إلى نصر مستخلفًا سيد شهداء المقاومة الإسلامية عام 1992 حتى تحرير لبنان 2000 وإلى النصر الإلهي المؤزر 2006 وسائر معارك الشرف والفداء، وصولًا إلى معركة الإسناد والبطولة دعمًا لفلسطين وغزة والشعب الفلسطيني المظلوم". وعاهده "أن يواصل جهاده في مواجهة العدو وإسنادًا لغزة وفلسطين ودفاعًا عن لبنان وشعبه الصامد والشريف".
وكان المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أعلن قبل الظهر أن الجيش الإسرائيلي قضى اول من أمس على الأمين العام لـ"حزب الله". وقال إنه قضى أيضاً على علي كركي قائد جبهة الجنوب في "حزب الله" وعدد آخر من القادة، ونقل موقع أكسيوس عن مسؤولين إسرائيليين وتقارير إيرانية أن العميد عباس نيلفروشان قائد فيلق القدس في لبنان قتل في هجوم بيروت.