كتبت دوللي بشعلاني في جريدة الديار:
ما إن غادر المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين "تلّ أبيب" الثلاثاء من دون أن يضع لبنان من ضمن زيارته الى المنطقة، بدا واضحاً أنّ الحكومة "الإسرائيلية" قد قرّرت التصعيد تجاه حزب الله، رغم التحذيرات الأميركية من الذهاب الى توسيع الحرب. وظهر جلياً بالتالي أنّ "الإدارة الأميركية" قد رفعت إبطها، أي أنّها وافقت ضمناً على مثل هذا القرار، لا بل ساعدت على تحقيقه بدلاً من تنفيذ العدو ضربة عسكرية كبيرة على لبنان.
وقد بدا هذا واضحاً من خلال ما نفّذته "إسرائيل" من تفجير إلكتروني إرهابي ضدّ عناصر حزب الله ومدنيين، من حاملي أجهزة الإتصال من نوع "بيجر" عند الساعة الرابعة من بعد ظهر اليوم نفسه الذي سافر فيه هوكشتاين من المنطقة.
غير أنّ الإدارة الأميركية سارعت الى نفي مسؤوليتها عن الجريمة الجماعية التي ارتكبتها حليفتها "إسرائيل"، من دون أن يُلقي أحد اللوم عليها. وأدّت العملية الارهابية، بحسب أرقام وزارة الصحة الرسمية، الى استشهاد 12 شخصاً من بينهم: طفلان وأربعة من العاملين في القطاع الصحي والطبّي، فضلاً عن 6 شهداء من مجاهدي حزب الله، وبين 2750 و2800 جريح، 10 في المئة منهم لا يزال في حالة حرجة، ووقوع 9 شهداء آخرين و300 جريح جرّاء الجولة الثانية من التفجير الإرهابي لأجهزة اللاسلكي من نوع "آي كوم. في 82"، التي طالت مناطق عدّة وأدّت الى اشتعال 60 منزلاً ومحلاً لبيع البطاريات في الجنوب.
وتُسارع الولايات المتحدة الى لململة الوضع السياسي والأمني في لبنان والمنطقة، إذ ظهر أنّها لم تتمكّن من الضغط على رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو، خلال زيارة هوكشتاين الأخيرة، من خلال زيارة وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن الى "تلّ أبيب" في 22 و23 أيلول الجاري، لممارسة المزيد من الضغط على "الإسرائيليين" لوقف التصعيد، سيما وأنّ الإنتخابات الرئاسية الأميركية باتت على قاب قوسين من الآن. وتخشى اميركا بالتالي من ردود فعل المقاومة، التي باتت لها جبهات قويّة في كلّ من لبنان واليمن والعراق.
غير أنّ لبنان الذي التفّ في مشهد وطني جامع حول استشهاد نجل عضو كتلة "الوفاء للمقاومة" علي عمّار، مهدي، من بين شهداء الخرق الإستخباراتي لأجهزة "بيجر" للإتصال اللاسلكي، على ما تقول مصادر سياسية عليمة، إذ ضمّت مراسم التعازي مختلف الأحزاب والكتل والقوى السياسية، والشخصيات الأمنية والدينية من مختلف الطوائف، التي تتفق وتتحالف أو تختلف مع حزب الله، لن يقف مكتوف الأيدي تجاه هذه الجريمة الموصوفة.
فوزارة الخارجية والمغتربين تتحضّر لتقديم شكوى الى مجلس الأمن الدولي، بعد توافر كلّ المعطيات لديها لإدانة "إسرائيل" بارتكاب "جريمة جماعية ضدّ الشعب اللبناني" أدّت الى استشهاد مدنيين، والى إعاقة عدد كبير من المصابين. وإن كان لا يُعوّل كثيراً على نتائج هذه الشكوى التي ستنضمّ الى سائر الشكاوى التي سبقتها، ومن دون قدرة مجلس الأمن على استخدام الفصل السابع لإدانة "إسرائيل" على الجريمة الجماعية التي ارتكبتها في لبنان، وخرقها كلّ المواثيق الدولية، من ضمن قرار "الكابينيت" بتوسيع الحرب عليه، خلافاً لما حصل من إدانة لها في محكمة العدل الدولية في لاهاي.
غير أنّ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي طلب أمس دعوة مجلس الأمن الدولي النظر، لبحث تفجير أجهزة الإتصال اللاسلكي في لبنان. وأفادت المعلومات أنّ اجتماعاً لمجلس الأمن بشأن لبنان سيُعقد يوم غد الجمعة، لمناقشة الهجوم الإلكتروني الذي نفّذته "إسرائيل" على لبنان على جولتين يومي الثلاثاء والأربعاء، والذي يخرق القوانين والمواثيق الدولية.
وترى المصادر أنّ نتنياهو كان يحتاج الى تحقيق إنجاز كبير، يُسمّيه هو "انتصاراً"، مقابل إخفاقات جيشه في قطاع غزّة والضفّة الغربية وعند الجبهة الجنوبية. غير أنّ حزب الله يدرس الوضع جيّداً، ويرى ماهية الردّ على هذا الهجوم بعد الإطلاع على تفاصيل الإختراق السيبيراني، الذي كان العدو يهدف منه الى قتل أكبر عدد ممكن من عناصر حزب الله، بحسب التحقيقات التي بدأها فور التفجير. وهذه العملية لم تنجح بالطريقة التي كان العدو يريدها، وإن أدّت الى استشهاد وإصابة عدد كبير من المواطنين. ولهذا سيقوم الحزب بمحاسبته على هجومه الجبان هذا، وسيحسم الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله موقفه منه في كلمته المرتقبة عند الخامسة من بعد ظهر اليوم الخميس.
والمشهد الوطني الداخلي الذي شهده لبنان بالإلتفاف الى جانب النائب عمّار، لا بدّ من البناء عليه، على ما أكّدت المصادر نفسها، واستكماله سياسياً للذهاب الى انتخاب رئيس الجمهورية في أقرب وقت ممكن. فقد أظهر الهجوم "الإسرائيلي" الأخير أنّ لبنان كلّه بات مكشوفاً أمام خطط العدو، ولا بدّ من وحدة وطنية للوقوف في وجهه، والتي ظهرت على الأرض من خلال جهوزية الطوارىء واستنفار أكثر من 100 مستشفى و60 سيّارة إسعاف لنقل المصابين، وتقديم الإسعافات الأولية والمعالجة اللازمة لهم. فالوحدة مطلوبة اليوم بدلاً من الإنشقاقات والخلافات السياسية الداخلية، التي لن تؤدّي سوى الى المزيد من الشغور الرئاسي، والفراغ في المؤسسات العامّة، الأمر الذي يخدم خطط العدو.
أمّا الخطوة الإستباقية التكنولوجية غير المحسوبة التي قامت بها "إسرائيل" ضدّ حزب الله، والتي طالت عناصره في مختلف المناطق اللبنانية، على ما أشارت المصادر، فتدلّ على الحالة التخبطية التي تعيشها في الداخل. وهي في نهاية الأمر لن تُعيد المستوطنين الى المستوطنات الشمالية، لا الآن ولا بعد أشهر عديدة، بل على العكس قد أخّرت هذه العودة الى أجلٍ غير مسمّى، أو الى حين التوصّل الى الحلّ الديبلوماسي وتطبيق القرار 1701. وهذا يعني بأنّ "إسرائيل" التي اخترقت السيادة اللبنانية بالهجوم السيبيراني وبمساعدة أميركية، على ما أفادت المعلومات، من خلال تدخّل الشركة الأم للأجهزة، لا يُمكنها القيام بأي شيء بمفردها ومن دون مساعدة خارجية، ما يعني أنّ هذا هو حدّها الأقصى في الهجوم على لبنان.
غير أنّ ما جرى يوم الثلاثاء بعد مغادرة هوكشتاين "تلّ أبيب"، قد نقل الوضع في المنطقة الى مرحلة أخرى، على ما أشارت المصادر ذاتها، سيما وأنّ المرحلة المقبلة ستكون أمنية - عسكرية، وأصبحت درجات الصراع فيها غير مضبوطة، وهذا الأمر سيكون له تداعيات سيئة ليس فقط على "إسرائيل" ولبنان، بل على الوضع الإقليمي ككلّ. والردّ من حزب الله سيكون إنتقامياً وقاسياً، وكذلك غير مضبوط، إذ سيُوازي هجومها السيبيراني التفجيري. علماً بأنّ ردّ حزب الله على مقتل القيادي فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية، طال وحدة 8200 من دون أن يُصيب أي من المدنيين، على غرار ما يفعل ويلتزم به الحزب منذ 8 تشرين الأول الفائت.
والتصعيد "الإسرائيلي" الأخير، على ما عقّبت المصادر، بيّنت أنّ العدو لم يرتدع، بل على العكس ذهب الى أبعد من "قواعد الإشتباك" بكثير، والى كسر المعادلات التي كانت قائمة، وبغضّ الطرف من الولايات المتحدة الأميركية، رغم رفضها للتصعيد ولاستمرار الحرب في المنطقة، على ما تُعلن على لسان موفديها الى المنطقة. علماً بأنّ هوكشتاين خلال زيارته ما قبل الأخيرة للبنان، الذي جاء محذّراً من التصعيد حينها، قد ألمح للمسؤولين اللبنانيين أنّ بلاده لم تعد قادرة على "خفض التصعيد" جنوباً، ما يعني بأنّها لا تستطيع "لجم" جنون نتنياهو.
غير أنّ مسارعة أوستن الى تحديد زيارة الى "تلّ أبيب" نهاية الأسبوع الجاري، لا سيما بعد العدوان الإلكتروني الآثم الذي نفّذته "إسرائيل" على عناصر حزب الله ومدنيين، يدلّ على أنّ الولايات المتحدة ستُجدّد رفضها للتصعيد وتوسيع الحرب على لبنان، لما له من تداعيات على المنطقة ككلّ.