كتبت بيروت حمود في جريدة الأخبار:
فيما التزم المسؤولون الإسرائيليون الصمت المطبق حيال الضربة الأمنية الكبيرة التي وُجّهت إلى حزب الله، انشغل محلّلو العدوّ بقراءة نتيجة ما حصل بوصفه «تعزيزاً لقدرة الردع الإسرائيلي».
ورغم أن بعضهم شكك في أن يفضي ما حصل إلى تغيير استراتيجي جوهري في الوضع على الحدود الشمالية، لم ينفِ هؤلاء أنفسهم، أو من خلال ما نقلوه عن مسؤولين إسرائيليين، أن الحرب قد انتقلت إلى مرحلة جديدة، قد تمهد لمواجهة مستقبلية مفتوحة، أو حتّى حرب شاملة.
ومن بين ما نُشر إسرائيلياً وغربياً، زعم موقعا «واللا» الإسرائيلي و«أكسيوس» الأميركي أن توقيت الضربة «فُرض على إسرائيل» باعتبار أن حزب الله، كما نُقل عن مسؤولين أميركيين، «قد يكتشف قريباً الخرق الأمني في الأجهزة» بعدما «زادت شكوك لدى عنصرين فيه بشأنها خلال الأيام الماضية»، وفقاً لما ذكره بداية موقع «مونيتور».
وكانت عملية التفجير المتزامنة مخططة في الأصل لأن تحصل - وفقاً لمسؤول أمني إسرائيلي سابق - كفاتحة لحرب، غير أن إسرائيل، كما قالت للأميركيين، وجدت نفسها بين خيارَي «استخدام هذه الأجهزة المفخخة أو فقدان الفائدة منها»، فقررت ارتكاب جريمتها.
على أن ما تقدّم يثير علامات استفهام كبيرة: إذا كن عناصر في الحزب اكتشفوا الخرق الأمني، فلماذا لم يبلّغوا بذلك، لتُسحب جميع الأجهزة لفحصها؟ ولماذا أساساً، منذ الأحد الماضي، عكف «الكابينت» على عقد جلسات مكثّفة في مقر وزارة الأمن في تل أبيب، وسط تهويل غير مسبوق بتصعيد الوضع الأمني، وإدراج إعادة مستوطِني الشمال إلى بيوتهم كأحد أهداف الحرب؟ أ
لم يكن الهدف من ذلك كلّه الإيحاء بأن طبول «حرب لبنان الثالثة» تقرع، ليبقى عناصر حزب الله ملتصقين بأجهزة اتصالهم، لتضمن إسرائيل إصابة وقتل أكبر عددٍ منهم؟
ثم إن الجزء الأكبر من هؤلاء منتشرون في الحيّز المدني، ما قد يتسبب - كما حصل - بإصابة مدنيين، فيضرب العدو بهذا عصفورين بحجر واحد من خلال ما يعتقد أنه فرصة لتأليب البيئة المدنية على المقاومة.
وإذا ما صحت تلك الشكوك والتقديرات، فإن الحقيقة تكون أن التوقيت لم يُفرض على إسرائيل، بل إن الأخيرة نفذت عمليتها عن سبق إصرار وترصد.
على أي حال، تعالت الأصوات في إسرائيل لاستغلال الفوضى التي أحدثتها الضربة لإكمال المهمة، من خلال توجيه ضربات واسعة إلى مراكز ومقارّ حزب الله باعتبار أنه «لا ينبغي لإسرائيل القيام بنصف مهمة»، وهي دعوة تعني فتح حرب شاملة، «لها حساباتها مع الأميركيين»، وفقاً للمحلل العسكري لموقع «واينت» رون بن يشاي.
ويشير الأخير إلى أن حرباً كهذه «ستحتاج فيها إسرائيل إلى مساعدة أميركية في صدّ واعتراض الصواريخ والطائرات الانقضاضية» التي ستوجّه من أكثر من مكان في الإقليم، حيث لن تنحصر المواجهة بين لبنان وإسرائيل فقط.
على أن السؤال الذي يشغل بال إسرائيل الآن هو كيف سيكون رد حزب الله؟ وفقاً لما نقله بن يشاي عن مصادر إسرائيلية، فإن الترجيحات بأن الرد «سيكون قوياً وغير معهود»، من دون أن يستثني إيران التي أصيب سفيرها لدى لبنان، ولها حساب مفتوح مع إسرائيل، آخره الرد الذي لم يأتِ بعد على اغتيال رئيس المكتب السياسي لـ«حماس»، إسماعيل هنية، على أراضيها. وعلى هذا الأساس، «من المفترض أن حزب الله وإيران يجريان مناقشات حول طبيعة الرّد، ما قد يؤخره ربما لأسابيع».
تعالت الأصوات في إسرائيل لاستغلال «الفوضى»، وتوجيه ضربات واسعة إلى مراكز حزب الله وطبقاً لبن يشاي، فإن «هذا التكامل بين الاستخبارات والاختراق الرقمي يشكل سلاحاً بحد ذاته، ينبغي على حزب الله وإيران الحذر منه».
وعلى رغم ما تقدّم، رأى أنه «في الوقت الراهن، لا تغيير جوهرياً في الوضع الاستراتيجي يضمن عودة سكان الشمال إلى منازلهم بأمان، بالرغم من أن الضربة رفعت من منسوب الردع مقابل حزب الله وإيران».
وربط بن يشاي بين إحباط «الشاباك» لعمل أمني مزعوم كان يستهدف رئيس الأركان سابقاً، موشيه يعلون، وهو ما كُشف عنه قبل نحو ساعتين من العملية، وبين التفجيرات المتزامنة في لبنان وسوريا، معتبراً أن رسالة إسرائيل من ذلك واضحة، وهي «ثني حزب الله عن تنفيذ عمليات أمنية داخل إسرائيل».
أمّا أهم الصحافيين الاستخباريين الإسرائيليين، رونين بيرغمان، فنقل عن ضابط عسكري إسرائيلي رفيع، في تقرير في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، تشكيكه في ما إذا كانت «العملية التي نجحت بنسبة 100% ستساهم في تعزيز أمن إسرائيل، والأهم إعادة عشرات الآلاف من المواطنين الذين تم إجلاؤهم من الشمال»؛ إذ «لا توجد استراتيجية واضحة لربط هذه العملية بعودة السكان».
ورجح الضابط أن يكون رد حزب الله «قوياً إلى حد تصعيد المواجهة إلى مرحلة الحرب لأن الحزب - المقتنع بأن إسرائيل تقف وراء الحادث - سيقرر أنه لا يمكن احتواء ما حصل، بل ينبغي الرد بقوة، ومن ثم ستردّ إسرائيل على الأخير، ليتفاعل ردّ الفعل... وهناك تعبير عن هذا النوع من التبادل العسكري المكثف هو الحرب».
وفي سياق ذي صلة، ذكّر المحلل العسكري لصحيفة «هآرتس»، عاموس هرئيل، بمحاولة «حزب الله» السيطرة على طبيعة ردوده، والتي كانت واضحة خلال كل الشهور السابقة، من خلال الامتناع عن حدوث تدهور شامل، لكن «من غير المؤكد أن يستمر ذلك هذه المرة أيضاً. فالعملية كشفت ضُعف حزب الله. ولا يمكن السكوت عن هذه الأمور».