كتب فؤاد بزي في جريدة "الأخبار":
تُعدّ أجهزة «البايجر» أو ما يُعرف بـ«beeper» التي لا يزيد طولها وعرضها عن 3 إلى 5 سنتمترات من وسائل الاتصال القديمة. وُضعت في الخدمة منذ أكثر من 100 سنة، في عشرينيات القرن الماضي، واستُخدمت أولاً في سيارات الشرطة. وهي أجهزة استقبال متصلة بشبكات لاسلكية، تقوم بعرض الرسائل فقط، من دون إمكانية استخدامها كأجهزة إرسال. لذا تُعدّ آمنة على مستوى التتبّع والتنصّت، إذ لا يمكن تحديد مكانها لأنّها «أجهزة سلبية» تستقبل الرسائل فقط، ولا تحتوي على «ميكروفون»، أو كاميرات، وبالتالي لا تنقل الصوت والصورة.
ترتبط أجهزة «البايجر» بشبكات لاسلكية، وتستخدم بدورها موجات الراديو. ومثل الهواتف الخلوية، تغطي هذه الشبكات مناطق محدّدة، لذا يُحتمل أن تخرج «البايجر» عن نطاق الشبكة، فتفقد بالتالي إمكانية تلقّي الرسائل.
ويمتلك كلّ جهاز «بايجر» رقماً خاصاً به، أو موجة اتصال محدّدة، يمكن للمرسل استخدامها لإيصال رسالة إلى شخص محدّد، كما تتيح هذه التكنولوجيا التواصل مع مجموعة كبيرة من أجهزة «البايجر» برسالة واحدة.
أما الرسائل التي يمكن إيصالها إلى هذه الأجهزة فمحدودة بنوع الجهاز المتلقّي.
هناك أجهزة كانت تصدر رنيناً فقط من دون رسائل. وتتلقّى أجهزة أخرى رسائل رقمية، أي أرقاماً فقط، وهي الأجهزة الأكثر رواجاً.
فيما تتلقّى أخرى أرقاماً وحروفاً. ولاحقاً، مع التطور التكنولوجي، بدأت أجهزة البايجر تدعم وصول رسائل صوتية، إنما باتجاه واحد، أي من دون إمكانية إعادة الإرسال.
خاصية التلقّي، من دون إعادة الإرسال، دفعت الكثير من الجهات إلى اعتماد البايجر كجهاز استدعاء مفضّل. ورغم أنّ هذه الأجهزة كانت رائجة جداً في ثمانينيات القرن الماضي، إلا أنّها خرجت بشكل شبه كلّي من الاستخدام العام بعد دخول أجهزة الاتصال الخلوية على الساحة في التسعينيات.
فيما لا تزال تُستخدم في المستشفيات لطلب حضور الأطباء والممرّضين إلى أقسام معيّنة. وتتمّ عملية الاستدعاء برسائل قصيرة، أو «كود موحّد»، فتكون الرسالة واضحة ومقتضبة. كما تُستخدم في شركات الدعم التقني لإرسال عمال الصيانة إلى نقاط محدّدة، وفي أجهزة الشرطة والإطفاء والإسعاف.
دفعت آلية عمل أجهزة «البايجر» البسيطة المقاومة الإسلامية لاستخدامها كإحدى وسائل التواصل مع الأفراد. أمام التعقيد التكنولوجي للعدو القادر على خرق كلّ أجهزة الاتصالات اللاسلكية، ظهر «البايجر» كوسيلة فعّالة في نقل المعلومة أو التحذير أو الاستدعاء، من دون خطر الانكشاف أمام العدو.
من أجل إرسال رسالة معيّنة، تعمل كل الشبكة اللاسلكية العاملة بموجات الراديو، وترسل الموجات في كلّ اتجاه، ما يجعل من تتبّع الجهاز المستقبل للرسالة أمراً مستحيلاً. لذا عملت المقاومة منذ مدّة طويلة، ضمن هيكليتها، على تجهيز أفرادها بهذا النوع من الأجهزة.
وتهدف من هذا التجهيز إلى وصلهم بشكل دائم بالقيادة من دون المرور عبر شبكات الهاتف الخلوي المخترقة، أو شبكات الهاتف العسكري الأرضي التي لا يمكن تحريكها.
مع الإشارة إلى أن الاستخدام لا يقتصر على المقاتلين، إذ يُستخدم هذا الجهاز في المؤسسات المدنية التابعة لحزب الله كالإسعاف والمراكز الطبية والمستشفيات (استشهد أمس أحد العاملين في مستشفى الرسول الأعظم) ووسائل الإعلام وغيرها، ما يعني أن كل الذين أصيبوا أمس ليسوا جميعاً أفراداً في الجهاز العسكري للمقاومة.
وللتواصل، يرسل جهاز الإشارة، المسؤول عن الاتصالات، أرقاماً غير مفهومة على هذه الأجهزة، على شكل رسائل مشفّرة. وبغية ترجمتها، يحمل الأفراد المجهّزون بـ«البايجر» أدلة لمعرفة معنى كلّ رسالة.
ويحتوي كلّ دليل على مجموعات الأرقام المُستخدمة في الرسائل، وإلى جانبها معنى كل مجموعة.
وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ أجهزة «البايجر» تعمل على تردّدات لاسلكية محدّدة، وتُبرمج مسبقاً لتلقّي الرسائل عبرها، فلا تصل رسالة بشكل عشوائي إلى أجهزة مغايرة غير مبرمجة على هذه الموجة.
يُستخدم الـ«بايجر» في المؤسسات المدنية كالإسعاف والمراكز الطبية والمستشفيات ووسائل الإعلام التابعة للحزب ولا يقتصر على المقاتلين مع ذلك، فإن إمكانية خرق العدو هذه الشبكات اللاسلكية ليست مستبعدة، وفق مختصّين في الاتصالات، ولا سيّما مع الإطباق الاستخباراتي التقني على أجهزة الاتصال في لبنان.
من هنا تبدأ النظريات لتفسير ما جرى أمس في لبنان. شرح عدد من المختصّين الذين تواصلت معهم «الأخبار» سيناريو التفجير.
أولاً استبعدوا إمكانية تفجير بطاريات الليثيوم المشغّلة للجهاز عبر إغراق الجهاز بالرسائل التي تؤدي إلى إجهاد الجهاز، ومن ثمّ احتراق البطارية وانفجارها.
وأعادوا السبب في ضعف هذه النظرية إلى التركيبة الكيميائية المختلفة لكلّ بطارية على حدة، ما يجعل من انفجار عدد كبير من الأجهزة في وقت واحد أمراً مستبعداً.
إلا أنّهم رجّحوا نظرية وصول هذه الأجهزة مفخّخة من الخارج إلى لبنان، عبر وصول استخبارات العدو، نتيجةً لخرق استخباري ما على مستوى المُصنّع والمُورّد، إلى خط تصنيع الأجهزة المخصّصة للشحن إلى لبنان، ومن ثمّ زرع عبوات صغيرة داخلها، بانتظار ساعة تفجيرها.
وهو ما أشار إليه أمس عميل الاستخبارات الأميركية السابق إدوارد سنودن الذي رجّح أن يكون سبب انفجار الأجهزة «متفجّرات مزروعة وليس عملية قرصنة»، مشيراً إلى أنه «لو كانت المشكلة مرتبطة ببطاريات محترقة، فعندها كان يتوقّع حصول المزيد من الحرائق الصغيرة».
كما نقلت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية أن «ما حدث ناجم عن أوسع عملية استبدال لأجهزة اتصال مستوردة بشحنة تحوي متفجّرات»!
نظرية الليثيوم
انتشرت أمس أخبار كثيرة عن إمكانية انفجار بطاريات الليثيوم في البيوت، ربطاً بنظرية «تفجير العدو بطاريات أجهزة البايجر». واستندت هذه الأخبار إلى أنّ أجهزة تحويل الكهرباء، المعروفة بـ«inverter»، موصولة في أغلب الأحيان بشبكات الإنترنت. وبالتالي، إمكانية خرقها متاحة، وفقاً للروايات التي تناقلتها مواقع التواصل الاجتماعي.
لكن، بطاريات الليثيوم الموجودة في البيوت هي أبعد ما تكون عن الانفجار. فهي مصنوعة من أحد أنواع مركبات الليثيوم، المعروفة باسم «LiFePO4». وهذا المركب قادر على تحمّل حرارة عالية، وقصور كهربائي من دون أن يحترق. والبطاريات الموجودة في المنازل مجهّزة أيضاً بأجهزة إلكترونية معروفة باسم «bms»، تقوم بفصل خلايا الطاقة عن مخارج البطارية بشكل تام في حال القصور الكهربائي، أو ارتفاع حرارة البطارية، وفقاً لعدد من الخبراء.
إلا أنّ مركبات الليثيوم ليست كلّها آمنة بشكل عام. فبعكس البطاريات المنزلية، تحتوي الهواتف، وأجهزة الكمبيوتر المحمولة، على بطاريات ليثيوم من نوع «Li-ion». وهي مركبات قابلة للاحتراق، والانفجار، في حال شحنها بكميات كبيرة من الكهرباء، أو ثقبها، أو تعرّضها لحرارة عالية، بما فيها أشعة الشمس. وحتى المحلول الموجود في هذا النوع من البطاريات قابل للاشتعال. لذا ينصح الخبراء بـ«الابتعاد عن هذه البطاريات في حال ارتفاع حرارتها، أو انتفاخها، وعدم محاولة إعادة تعبئتها بالكهرباء في هذه الحالة».