عاجل:

عودة الحياة إلى «المبادرة العربيّة» | دمشق - أنقرة: طريق التطبيع (ليست) ورديّة

  • ٢٧

كتب علاء حلبي في جريدة الأخبار:

بعد أكثر من عام على عقد اجتماعها الأول، وفي أعقاب تأجيل مستمر، عقدت أخيراً «لجنة الاتصال العربية» المنبثقة عن «المبادرة العربية» للحل في سوريا اجتماعها الثاني في القاهرة، على هامش اجتماع وزراء خارجية «جامعة الدول العربية»، والذي شهد بدوره مشاركة تركية تعدّ الأولى من نوعها منذ 13 عاماً. الاجتماع الذي ترأّسه وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، وحضره جميع أعضاء «لجنة الاتصال» (وزراء خارجية: سوريا والعراق ومصر والأردن ولبنان والسعودية والأمين العام لجامعة الدول العربية)، أعاد الحياة إلى المبادرة التي جرى إطلاقها إثر لقاء تشاوري استضافته العاصمة الأردنية في الأول من أيار من العام الماضي.

وكانت هذه المبادرة قد مهّدت الطريق أمام تغييرات جذرية في تعاطي الدول العربية مع الأزمة السورية، بدءاً من استعادة سوريا مقعدها في «الجامعة العربية»، وليس انتهاءً بإعادة العلاقات الديبلوماسية التي كانت مقطوعة مع دمشق من قبل عواصم عربية عديدة، أبرزها الرياض، إلى جانب التوافق على خطة تسمح بعمل عربي فعّال في حلّ الأزمة، يفتح الباب أمام عودة اللاجئين السوريين، ويعطي دفعاً لعمليات إعادة الإعمار، وإنهاء مشكلة «تهريب المخدرات» التي تسبّب بها الفراغ الأمني في بعض المناطق السورية، ليتم لاحقاً عقد لقاء يتيم لـ«لجنة الاتصال» في شهر آب من العام الماضي.

والاجتماع الثاني الذي كان مقرراً عقده في العاصمة العراقية بغداد، جرى تأجيله مرات عديدة بسبب ما قيل حينها إنه «تضارب في المواعيد»، فيما شهد ملف «مكافحة تهريب المخدرات» بعض الخطوات الفعلية عبر تشكيل غرفة متابعة مشتركة سورية – أردنية، وأخرى سورية – عراقية. لكن تلك الخطوات لم تضع أيّ حدّ فعلي لمسألة «التهريب»، في ظل استمرار وجود فراغ أمني في مناطق عديدة على الأرض السورية، سواء في الجنوب حيث توجد قاعدة أميركية (قاعدة التنف) أو في الشرق السوري حيث تدعم واشنطن «الإدارة الذاتية» الكردية، أو في الشمال السوري حيث تنتشر فصائل عديدة، بينها «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة – فرع تنظيم القاعدة السابق في سوريا)، التي تتمتع بعلاقات وطيدة مع تركيا التي تحتل مناطق سورية عديدة.

وفي وقت خصّصت فيه «الجامعة العربية» اجتماعها الوزاري لمناقشة حرب الإبادة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في غزة، وفّر اجتماع وزراء الخارجية في العاصمة المصرية مساحة للعمل السياسي على هامش الاجتماع، عبر عقد لقاءات ثنائية بين وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، ونظرائه من مصر والأردن والعراق، بالإضافة إلى اللقاء مع الأمين العام لـ«الجامعة العربية»، أحمد أبو الغيظ، حيث جرت مناقشة نواحٍ عديدة في الملف السوري. وفي نهاية الاجتماعات الثنائية، عقد اجتماع «لجنة الاتصال العربية»، والتي اتفقت على تشكيل فريق من الخبراء لدراسة الموضوعات التي تتابعها مع دمشق، كما على عقد اجتماعها المقبل في العاصمة العراقية بغداد، في موعد يحدد لاحقاً.

ويتوافق ذلك مع التوجّه العراقي إلى القيام بدور في حلّ الأزمة السورية عبر سبل عديدة، من بينها التمهيد لفتح الأبواب المغلقة بين سوريا وتركيا، والتي عرض العراق استضافة لقاءات مسؤولي البلدين لمناقشتها، في مبادرة تتوسّط فيها روسيا وإيران أيضاً.

وإلى جانب إعادة إحياء المبادرة العربية، شكّلت مشاركة وزير الخارجية التركي، حاقان فيدان، في الاجتماع، حدثاً بارزاً، في ظلّ ما تسرّب قبل عقد اللقاء عن موافقة سوريا على مشاركة تركيا، قبل أن يشهد الاجتماع انسحاب الوفد السوري فور بدء فيدان كلمته. ويتّسق هذا الانسحاب مع المبادئ السورية المعلنة حول انفتاح دمشق على إعادة العلاقات مع أنقرة وفق أسس واضحة؛ من بينها انسحاب القوات التركية، وعدم منح تركيا أيّ شرعية لوجود قواتها على الأراضي السورية، ويمثّل ذلك إحدى أبرز النقاط المفصلية في ملف التطبيع بين البلدين، والذي ينتظر عقد لقاءات على المستوى الفني للاتفاق على جدول عمل واضح، ومبادئ محددة، من بينها توصيف الجماعات الإرهابية، وسبيل خروج القوات التركية. وإلى جانب ما تقدم، تبرز ملفات أخرى، من بينها وقف دعم الفصائل المسلحة، وفتح الباب أمام عودة اللاجئين السوريين، وهما ملفّان شهدا مراوغة تركية خلال الفترة الماضية، عبر إطلاق تصريحات تغازل دمشق من جهة، وتتمسّك بوجود قواتها من جهة أخرى، فضلاً عن ربط هذا الوجود بالحل السياسي و«القضاء على الإرهاب»، في إشارة إلى الأكراد.

وقبل أيام من عقد الاجتماع، بدا لافتاً ترحيب المقداد بتصريحات الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، أثناء استضافته الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، والتي دعا خلالها إلى تشكيل «محور تضامني سوري مصري تركي لمواجهة التهديدات الإسرائيلية». فقد أعرب المقداد عن أمنياته بأن «يكون ذلك رغبة تركية صادقة وحقيقية»، مشيراً في الوقت ذاته إلى أنه «إذا أرادت تركيا أن تكون هناك خطوات جديدة في التعاون التركي مع سوريا، وأن تعود العلاقات إلى طبيعتها، عليها أن تنسحب من الأراضي العربية التي احتلتها في شمال سوريا وغرب العراق». وأوضح أنه في «بداية القرن الحالي، تم نسج علاقات استراتيجية مع تركيا لكي تكون الدولة التركية إلى جانب سوريا في نضال مشترك لتحرير الأراضي العربية المحتلة، لكن تركيا عملت على نشر جيشها في شمال الأراضي السورية، حيث أقام معسكراته عبر احتلال الأراضي العربية السورية».

وفيما شدّد المقداد على أنه «يجب على تركيا أن تتراجع عن هذه السياسات، وأن تتخلّى عنها بشكل نهائي، لأنّ من مصلحة الشعبين السوري والتركي أن تكون هناك علاقات طبيعية بين البلدين لمواجهة التحدّيات المشتركة، والتي يجب أن تتوحّد الجهود لمواجهتها»، فهو أشار إلى أن «سوريا تعلن دائماً أنها لن تتوقف عند الماضي، لكنها تتطلّع إلى الحاضر والمستقبل، وتأمل أن تكون الإدارة التركية صادقة في ما تقوله، لكن بشرط أن تتوافر متطلبات التوصل إلى هذا النوع من التعاون، وهو أن تنسحب تركيا من الأراضي السورية والعراقية».

وقبيل استضافة القاهرة الاجتماعات الوزارية، افتتحت السعودية، بحفل رسمي، مقرّ سفارتها في دمشق بحضور رسمي وشعبي، بدا واضحاً أن الرياض حرصت على إظهاره. وقال القائم بأعمال السفارة السعودية، عبد الله الحريص، في حفل الافتتاح، الذي أقيم الإثنين الماضي، إن بلاده عبر هذه الخطوة تؤكد حرصها على المضيّ قدماً وبذل كل الجهود لتطوير العلاقات الثنائية بين البلدين، مضيفاً أن إعادة افتتاح أعمال السفارة «لحظة مهمة في تاريخ العلاقة بين البلدين الشقيقين».

والجدير ذكره، هنا، أن افتتاح السفارة السعودية تزامن مع عقد اجتماع وزراء خارجية «مجلس التعاون الخليجي»، والذي أكد في بيانه الختامي «مواقفه الثابتة تجاه الحفاظ على وحدة أراضي الجمهورية العربية السورية، واحترام استقلالها وسيادتها على أراضيها، ورفض التدخلات الإقليمية في شؤونها الداخلية، ودعم جهود الأمم المتحدة للتوصل إلى حل سياسي في سوريا بما ينسجم مع قرار مجلس الأمن الرقم 2254، وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة».

كما أكّد «دعم جهود لجنة الاتصال الوزارية العربية بشأن الأزمة السورية، وضرورة تنفيذ الالتزامات التي وردت في بيان عمان، بتاريخ 1 أيار 2023، وبيان القاهرة في 15 آب 2023»، معرباً عن «تطلّعه إلى استئناف عمل اللجنة الدستورية السورية». ودان الهجمات الإسرائيلية المتكررة على سوريا، مشيراً إلى أنها «انتهاك للقانون الدولي وخرق لسيادة سوريا».

المنشورات ذات الصلة