كتب علاء حلبي في جريدة الأخبار:
في لقاء يُعتبر الأكبر منذ مدة طويلة، عقدت السلطات التركية اجتماعاً موسّعاً مع فصائل وقادة المعارضة السورية لمناقشة جملة من الملفات السياسية والميدانية والاقتصادية.
الاجتماع الذي تمّ عقده في صالة مطار غازي عنتاب جنوبي تركيا، لم يخرج بأي جديد، باستثناء بلورة حالة الانقسام بين الفصائل والأجسام السياسية، وظهور جناحين واضحين لهذا الانقسام، الأول تقوده «الحكومة المؤقّتة» المنبثقة عن «الائتلاف» المعارض، والثاني يقوده الأخير الذي فقد على مدار السنوات الماضية دوره السياسي على حساب هيئات أخرى، من بينها «هيئة التفاوض»، و«الحكومة المؤقتة» التي قدّمت تركيا لها دعماً كبيراً أملاً في الوصول إلى حالة مؤسساتية في المناطق الخاضعة لسيطرة الفصائل، تسهّل التحكم بالمنطقة، وهو ما لم يحصل بطبيعة الحال.
وفي السياق، ذكرت مصادر سوريّة معارضة، في حديثها إلى «الأخبار»، أن اللقاء جاء بدعوة مشتركة من الخارجية وجهاز الاستخبارات التركيين، وجهت إلى جميع القوى الفاعلة على الأرض، بالإضافة إلى «الحكومة المؤقتة» و«الائتلاف».
وأوضحت المصادر أن الجانب التركي قدّم لمحة سريعة حول المستجدات السياسية بما فيها ملف التطبيع مع دمشق، بوساطة روسية، قبل أن يتعمق بشكل أكثر تفصيلاً حول الأوضاع الميدانية في الشمال السوري، بما فيه مشكلة العجز عن فتح معبر أبو الزندين الذي يفصل بين مناطق سيطرة الحكومة السورية ومناطق سيطرة الفصائل في ريف حلب، والذي فشلت أنقرة في فتحه بعد محاولتين، إثر تعرضه للقصف من قبل فصائل مجهولة تارة، والتظاهرات والاعتصامات تارة أخرى.
وفي وقت شدّد فيه الجانب التركي على ضرورة فتح المعبر الذي تعهدت أنقرة بفتحه، لما وصفه بـ«أهداف تجارية»، شهد اللقاء سجالاً وتبادلاً للاتهام بين الفصائل المتحالفة مع «الحكومة المؤقتة» (فرقة الحمزة، وفرقة السلطان سليمان شاه) من جهة، و«الائتلاف» والفصائل المتحالفة معه (الجبهة الشامية وبعض الفصائل الأخرى) من جهة أخرى، وصلت إلى حد الاتهام بالفساد وقبض الرشاوى وإهدار ملايين الدولارات.
واعتبرت المصادر هذا الأمر مؤشراً إلى حجم الاحتقان بين الفصائل والكتل السياسية المتصارعة على السلطة، ما قد يفتح الباب أمام انتقال ذلك الاحتقان إلى الميدان، وسط صمت مطبق من الجانب التركي الذي راقب ما يجري من دون أن يتدخل.
وعلى عكس الاجتماعات السابقة التي كانت تجري على نطاق ضيق، رأت المصادر أن تعمّد أنقرة جمع المعارضة معاً في اجتماع واحد، كان يهدف بالأساس إلى إيصال رسائل واضحة حول مستقبل السياسة التركية في ما يخص الشأن السوري، وهو ما حاول مسؤول الاستخبارات التركية، إبراهيم قالن، الذي تحدّث بشكل مقتضب، إيضاحه، عبر تركيزه على ضرورة أن تصل المعارضة إلى آلية للعمل المشترك، وعلى أن تركيا قررت منح مساحة أكبر للمعارضة لحل مشاكلها، على أن تلعب هي دور الميسّر فقط، وسط تهديد غير مباشر بأنها لن تقبل باستمرار الفوضى.
وفيما لم يخرج الاجتماع بأي جديد يُذكر، فإن المصادر التي تحدثت إلى «الأخبار» أكدت أن لقاءات جانبية أجراها مسؤولو الاستخبارات والخارجية التركيين مع بعض مسؤولي المعارضة، بينهم رئيس «الحكومة المؤقتة»، عبد الرحمن مصطفى، الذي تعهد بإيجاد حل لمشكلة «أبو الزندين»، الذي ترغب تركيا في إغلاق ملفه قبل الانخراط في أي لقاء مباشر مع الجانب السوري.
وعلى خط مواز، أعلن المتحدث باسم «حزب العدالة والتنمية» الحاكم في تركيا، عمر تشليك، أن مسار التطبيع بين أنقرة ودمشق سيمر بثلاث مراحل، أُولاها إجراء لقاءات تحضيرية على المستوى الفني والاستخباراتي، يتم خلالها تحضير الملفات التي سيناقشها في المرحلة الثانية مسؤولو البلدين على المستويين السياسي (الخارجية) والعسكري (الدفاع)، قبل الوصول إلى المرحلة الثالثة التي تتمثل في إجراء لقاء بين الرئيسين التركي رجب طيب إردوغان، والسوري بشار الأسد.
وتتوافق الخطوات الثلاث التي أعلن عنها تشليك، إلى حد كبير مع المطالب السورية حول ضرورة إجراء تفاهمات والتوافق على «مبادئ محددة» قبل الانتقال إلى إجراء لقاءات على المستوى السياسي، ما يفسر التفاؤل الروسي الكبير ببدء دوران عجلة التطبيع بين دمشق وأنقرة، وترحيب الخارجية التركية بالجهود الروسية المبذولة لفتح الأبواب المغلقة بين البلدين، والتي رجّحت صحيفة «الوطن» السورية أن تكون أثمرت بالفعل «تحديد جدول أعمال اللقاء المرتقب والمتوقّع أن يكون نهاية هذا الشهر».
ويتضمن جدول الاجتماع، وفقاً للصحيفة، جملة من الموضوعات، أبرزها «الإشارة إلى تسمية من هم الإرهابيون، وتحديد آلية للتعاون بين دمشق وأنقرة لمكافحة الإرهاب، إضافة إلى تحديد جدول زمني لانسحاب القوات التركية من الأراضي السورية، وذلك بعد إنجاز النقاط السابقة الخاصة بمكافحة الإرهاب لضمان أمن الحدود المشتركة».
وأضافت أنه من الممكن أن يكون البحث في «تعديل اتفاقية أضنة، والتي سبق أن جرى طرحها كصيغة جديدة للتعاون المشترك بين دمشق وأنقرة لضبط أمن الحدود، على جدول أعمال المباحثات المرتقبة».
ويأتي هذا فيما تطرح روسيا باستمرار مسألة تعديل هذه الاتفاقية، الموقّعة بين سوريا وتركيا عام 1998 والتي أسّست لغرفة عمليات مشتركة تسمح لتركيا بمكافحة «الإرهاب» في عمق الأراضي السورية بمحاذاة الشريط الحدودي. على أن اعتمادها أساساً للتعاون بين البلدين، يتطلب سيطرة الحكومة السورية على الشريط الحدودي مع تركيا، والمعابر الرسمية معها.